الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : [ كيفية تيمم أصحاب الجبائر ]

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يعدو بالجبائر موضع الكسر ، ولا يضعها إلا على وضوء كالخفين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، والجبائر ما كانت على كسر ، واللصوق ما كانت على قرح ، فإذا انكسر عضو من بدنه فاحتاج إلى ستره بالجبائر ، فإن كان يقدر عند الطهارة على حلها ، وإيصال الماء إليها شدها كيف شاء على طهر أو غير طهر ، فجاوز قدر الحاجة وغير مجاوز ، وإن كان لا يقدر عند الطهارة على حلها خوف التلف وزيادة المرض على أحد القولين فيحتاج عند شد الجبائر إلى شرطين ليصح له المسح عليها .

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يضعها إلا على طهر ، فإن كان محدثا لم يجزه المسح عليها كالخفين لا يجوز أن يمسح عليهما إلا أن يلبسهما على طهر .

                                                                                                                                            [ ص: 278 ] والشرط الثاني : أن لا يتجاوز شد الجبائر موضع الحاجة ، وهو موضع الكسر وما لا بد منه من الصحيح لأن شد الكسر وحده لا يغني إلا أن يشد معه بعض ما اتصل به من الصحيح ، وقول الشافعي : ولا يعدو بالشد موضع الكسر ، إنما أراد وما قاربه على ما وصفنا ، فإن تجاوز بالشد على قدر الحاجة لم يجزه المسح عليها .

                                                                                                                                            فصل : فإذا أتى بهذين الشرطين ثم أحدث ، أو أجنب ، غسل ما لا جبيرة عليه من بدنه ثم مسح على الجبائر بالماء بدلا من غسلها تحتها ، كما يمسح على الخفين ، بدلا من غسل الرجلين ، وفي قدر المسح وجهان لأصحابنا .

                                                                                                                                            أحدهما : يمسح جميع الجبائر ليكون خلفا من عمل العضو الكسير ونائبا عنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يمسح بعضها وإن قل فيما ينطلق اسم المسح عليه كالرأس والخفين ثم لا يخلو حال الجبائر من أن يكون على أعضاء التيمم أم لا ، فإن كان على أعضاء التيمم لم يحتج مع مسح الجبائر بالماء إلى التيمم ، وإن كان على غير أعضاء التيمم فهل يلزم مع مسح الجبائر بالماء التيمم أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يتيمم ويقتصر على الماء وحده غسلا لما ظهر ومسحا على ما استتر : لأن مسح الجبائر معتبر بالمسح على الخفين ، وليس مع المسح على الخفين تيمم فكذا المسح على الجبائر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا بالمسح على الجبائر لم يأمره بالتيمم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : عليه أن يتيمم بدلا من تطهير ما تحت الجبائر لرواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صاحب الجروح : " إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده ، وإن قلنا : إنه يحتاج إلى التيمم صلى بغسله وتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يحدث كالمسح على الخفين .

                                                                                                                                            وإن قلنا : إنه يحتاج إلى التيمم أعاد التيمم عند كل صلاة فريضة ، ولم يعد الغسل والمسح فإذا أحدث استأنف ثانية على ما وصفنا كذلك ما كان مضطرا إلى الجبائر ، وإن زاد على اليوم والليلة بخلاف المسح على الخفين المقدر بيوم وليلة : لأن الضرورة التي أباحت المسح على الجبائر قد تستديم أكثر من يوم وليلة والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية