مسألة : [ حكم ] إعادة الصلاة لأصحاب الجبائر
قال الشافعي : " فإن خاف الكسير غير متوضئ التلف إذا ألقيت الجبائر ففيها [ ص: 279 ] قولان : أحدهما : يمسح عليها ويعيد ما صلى إذا قدر على الوضوء والقول الآخر لا يعيد ، وإن صح حديث علي رضي الله عنه أنه انكسر إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبائر قلت به وهذا مما أستخير الله فيه ( قال المزني ) أولى قوليه بالحق عندي أن يجزئه ولا يعيد وكذلك كل ما عجز عنه المصلي وفيما رخص له في تركه من طهر وغيره وقد أجمعت العلماء والشافعي معهم أن والحدث في صلاتها دائم والنجس قائم ولا المريض الواجد للماء ولا الذي معه الماء يخاف العطش إذا صليا بالتيمم ولا العريان ولا المسايف يصلي إلى غير القبلة يومئ إيماء فقضى ذلك من إجماعهم على طرح ما عجز عنه المصلي ورفع الإعادة وقد قال لا تعيد المستحاضة الشافعي من كان معه ماء يوضئه في سفره وخاف العطش فهو كمن لم يجد ( قال المزني ) وكذلك من على قروحه دم يخاف إن غسلها كمن ليس به نجس " .
قال الماوردي : وهذه جملة حكاها المزني فقال : وإن خاف الكسير غير المتوضئ التلف وحكاه الربيع في الأم وإن خاف الكسير المتوضئ التلف وليس ذلك مختلفا كما وهم بعض أصحابنا ، وإنما أراد المزني غير المتوضئ في حال المسح على الجبائر ومراد الربيع المتوضئ في حال وضع الجبائر وجملته أن لم يخل حاله عند وضع الجبائر من أن يكون قد وضعها على وضوء أم لا ؟ فإن كان وضعها على غير وضوء فعليه إعادة ما صلى ، قاله الماسح على الجبائر إذا صح وبرأ الشافعي في الأم ، فلا وجه لمن وهم من أصحابنا في التسوية بين الحالين ، وإنما كان كذلك اعتبارا بالمسح على الخفين ، وإن كان عند وضع الجبائر متوضئا ، فقد روى عمر بن خالد القرشي عن زيد بن علي عن آبائه أن عليا عليه السلام قال : قال " أصيب إحدى زندي مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به فجبر فقلت : يا رسول الله كيف أصنع بالوضوء ، فقال : امسح على الجبائر الشافعي إن صح هذا الحديث قلت به ، فإن كان هذا الحديث صحيحا فلا إعادة عليه قولا واحدا : لأنه مسح جاء الشرع بالأمر به فصار كالمسح على الخفين ، وإن لم يصح هذا الحديث لضعف الرواية ووهي الإسناد ففي وجوب الإعادة قولان حكاهما المزني هاهنا ، وحكاهما الربيع في الأم .
أحدهما : لا إعادة عليه : لأنهما أعذار اعتبارا بما ذكره المزني .
والقول الثاني : أن الإعادة واجبة : لأنها أعذار نادرة ، وإذا حدثت لم تدم فجرى مجرى عادم الماء والتراب يلزمه الإعادة ، وإن كان معذورا : لأن عدم الماء والتراب نادر ، وإذا حدث لم يدم فأما المزني فإنه اختار سقوط الإعادة في المحبوس في حش ، والمربوط [ ص: 280 ] على خشبة ، وصاحب الجبائر ، ومن على قرحه دم ، استشهادا بأنهم قد أدوا ما كلفوا كما لا تعيد المستحاضة والحدث في صلاتها دائم والنجس قائم ، ولا المريض الواجد للماء ولا الذي معه الماء يخاف العطش ، ولا العريان ، ولا المسايف يصلي إلى غير القبلة فاستشهد بمن ذكره من أصحاب الأعذار في سقوط الفرض عنهم فيما عجزوا عنه ، فكذلك هؤلاء . والجواب عنه : أن يقال له اعتلالك بالعجز في سقوط الفرض فاسد : لأن عادم الماء والتراب عاجز ، وفرض الإعادة عنه غير ساقط ، ومن أكره على الحدث في الصلاة أو على الكلام وإنشاد الشعر هو معذور ، وفرض الإعادة لا يسقط عنه فبطل الاعتلال بالعجز في سقوط الفرض ، وأما سقوط الإعادة عمن ذكره لوجود العذر ، فيقال له : المعذور ضربان :
ضرب يسقط عنهم الإعادة بأعذارهم وهم من ذكرهم ، وضرب لا يسقط عنهم الإعادة وهم من ذكرنا من المعذورين في سقوط الإعادة بأولى من ردنا إلى من ذكرنا من المعذورين في وجوب الإعادة ، ثم يقال له : الفرق بين أصحاب هذه المسائل وبين من ذكرتهم من المعذورين من وجهين :
أحدهما : أن الطهارة في هذه المسائل ممكنة وإن شقت ، وإزالة تلك الأعذار غير ممكنة .
والثاني : وهو أصح الفرقين أن أصحاب هذه المسائل أعذارهم نادرة ، وإذا حدثت لم تدم ، وأصحاب الأعذار الذين ذكرهم المزني لا ينفك من أن تكون أعذارهم عامة كالمتيمم من مرض أو سفر ، أو نادرة لكن قد يدوم كالاستحاضة وسلس البول والمذي .
فإن قيل : نادر العذر ولا يدوم ، ولا إعادة عليه ، قيل : لأنه خائف وجنس الخوف عام . والخائف من سبع إذا صلى موميا