الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو كان مع رجل ماء فأجنب رجل وطهرت امرأة من [ ص: 291 ] حيض ، ومات رجل ولم يسعهم الماء كان الميت أحبهم إلي أن يجودوا بالماء عليه ، ويتيمم الحيان ، لأنهما قد يقدرا على الماء ، والميت إذا دفن لم يقدر على غسله ، فإن كان مع الميت ماء فهو أحقهم به ، فإن خافوا العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : في ثلاثة جمعهم السفر ، ولزمهم الغسل وهم جنب وحائض وميت ، فلا يخلو حالهم من ثلاثة أمور :

                                                                                                                                            أحدها : أن يجدوا من الماء ما يكفيهم جميعهم فعلى الحيين أن يغسلا الميت ، فإن كان الميت رجلا كان فرض غسله على الرجل ، وإن كانت امرأة كان فرض غسلها على المرأة ثم يغتسل الحيان بعد غسل الميت ، فإن قدما غسل أنفسهما جاز ثم يصليان على الميت ويدفناه .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا يجدوا من الماء شيئا فعليهما أن يومما الميت ، ويتيمما لأنفسهما ويصليا على الميت ، ويدفناه .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يجدوا من الماء ما يكفي أحدهم لا غير ، فلا يخلو ذلك عن أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون ذلك الماء ملكا لأحدهم أم لا ، فإن لم يكن ملكا لأحدهم بل وجدوه مباحا أو دفعه إليهم إنسان وقال يستعمل هذا الماء أحدكم ، فهذه مسألة الكتاب ، وإذا كان كذلك فالميت أولاهم به ، وأحب إلينا أن يجودوا بالماء عليه لمعنيين : أحدهما : ما ذكره الشافعي من أن طهارة الميت هي خاتمة أمره ، وليس يقدر على غسله بعد دفنه ، وليس طهارة الحيين خاتمة أمرهما ، وهما يقدران على الماء بعد تيممهما . والثاني : بأن طهارة الميت تطيبا لا محالة عند لقاء ربه وطهارة الحي لأداء الصلاة التي تؤدى بالتيمم كأدائها بالماء .

                                                                                                                                            فلو كان بأحد الحيين نجاسة ، فقد اختلف أصحابنا هل الميت أولى به من صاحب النجاسة على وجهين ذكرهما أبو إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            أحدهما : أن الميت أولى للتعليل الأول في أنها خاتمة أمره .

                                                                                                                                            والثاني : أن صاحب النجاسة أولى به على التعليل الثاني : لأن فرضه مع النجاسة لا يسقط تيممه ، فلو أن الواجد للماء جنب وحائض ، فقد اختلف أصحابنا في أيهما أولى به على ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                            أحدها : أن الجنب أولى به : لأن وجوب طهارته بالنص .

                                                                                                                                            [ ص: 292 ] والثاني : أن الحائض أولى به : لأن حدثها أغلظ .

                                                                                                                                            والثالث : أنهما سواء : لاستوائهما في ذلك من وجوب الغسل . فلو أن الواجد للماء جنب ومحدث : فإن كان الماء يكفي المحدث ، ولا يكفي الجنب فالمحدث أولى : لأن فيه تكميل طهارته ، وإن كان يكفي الجنب ولا يفضل من الحدث ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجنب أولى به ، لأن حدثه أغلظ .

                                                                                                                                            والثاني : أنهما سواء : لأن كل واحد منهما ممنوع من الصلاة ، وإن كان يكفي الجنب ويفضل من المحدث ففيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن الجنب أولى لغلظ حدثه .

                                                                                                                                            والثاني : أن المحدث أولى لبقاء بعض الماء بعد طهارته .

                                                                                                                                            والثالث : أنهما سواء وهذا الذي وصفنا طريقه الأولى ، فلو تغلب أحد الحيين على الماء فاستعمله دون الميت ، أو غلب من ليس بأولى على من هو أولى كان مسيئا وطهارته مجزئة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية