فصل : دلائل طهارة الماء
nindex.php?page=treesubj&link=13_431والدلائل على طهارة الماء وجواز التطهير به آيتان :
[ ص: 36 ] إحداهما : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا ، والثانية :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، وسنتان :
إحداهما : ما رواه
راشد بن سعد ، عن
أبي أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920576خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه .
والثانية : ما رواه
الشافعي ، عن
مالك ، عن
صفوان بن سليم ، عن
سعيد بن سلمة ،
[ ص: 37 ] أن
المغيرة بن أبي بردة ، أنه سمع
أبا هريرة يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920577سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ، nindex.php?page=treesubj&link=21أنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . وروي في خبر آخر أن العركي قال : " إنا نركب في البحر في أرماث لنا " ، والعركي : الصياد . والأرماث : الخشب يضم بعضه إلى بعض فنركب عليها في البحر " . قال الشاعر :
تمنيت من حبي بثينة أننا على رمث في البحر ليس لنا وفر
قال
الحميدي : قال
الشافعي : " هذا الحديث نصف العلم الطهارة ، ولعمري إن هذا القول صحيح ، لأن هذا الحديث دل على
nindex.php?page=treesubj&link=18طهارة ما ينبع من الأرض ، والآية دالة على
nindex.php?page=treesubj&link=15طهارة ما نزل من السماء ، والماء لا يخلو من أن يكون نازلا من السماء أو نابعا من الأرض
فصل : فأما الطهور الموصوف به الماء في الآية والخبر ، فهو صفة تزيد على الطاهر يتعدى التطهير منه لغيره ، فيكون معنى الطهور هو المطهر .
وقال
أبو حنيفة وسفيان الثوري والحسن ،
وابن داود والأصم : إن الطهور بمعنى الطاهر لا يختص بزيادة التعدي .
وفائدة هذا الخلاف تجويزهم
nindex.php?page=treesubj&link=607_25296إزالة الأنجاس بالمائعات الطاهرات واستدلوا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ الإنسان : 2 ] . يعني طاهرا ؛ لأن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير به وقال
جرير :
[ ص: 38 ] إلى رجح الأكفال عد من الظبى عذاب الثنايا ريقهن طهور
يعني : طاهرا ، لأن ريقهن لا يكون مطهرا قالوا : ولأن كل فعول كان متعديا كان فاعله متعديا كالمقتول والقاتل ، وكل فاعل كان غير متعد كان فعوله غير متعد كالصبور والصابر ، فلما كان الطاهر غير متعد ، وجب أن يكون الطهور غير متعد ، قالوا : ولأن الطهور لو كان متعديا لما انطلق هذا الاسم عليه إلا بعد وجود التعدي منه ، كالقتول والضروب ، فلما انطلق اسم الطيور على الماء قبل وجود التطهر به ، علم أنه لم يسم به لتعدي الفعل منه ، بل للزوم ، والصفة له أي الوصف ، قالوا : ولأن الطهور لو كان متعديا لوجب أن يتكرر فعل التطهير منه كالقتول والضروب ، فلما لم يتكرر منه لأنه يصير بالمرة الواحدة مستعملا علم أنه غير متعد .
ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به [ الأنفال : 11 ] فأخبر أن الماء يتطهر به ، وهذه عبارة عن تعدي الفعل منه ، فقال عليه السلام في البحر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920575هو الطهور ماؤه الحل ميتته جوابا عن سؤالهم في تعدي فعله إليهم إذ قد علموا طهارته قبل سؤالهم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920578أعطيت خمسا لم يعطهن قبلي نبي " فذكر منها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920579وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " يعني مطهرا ، لأنه قد كان طاهرا على
محمد وغيره ، وإنما افتخر بما خص به من زيادة التطهير به . وقال عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920580دباغها طهورها " : أي مطهرها .
وقال : " طهور إناء أحدكم " أي : مطهره ، فكانت هذه الظواهر الشرعية كلها دلالة على أن الطهور بمعنى مطهر ، وكذا في كل ما ورد به الشرع .
وأما من طريق اللغة فهو أن فعول أبلغ في اللغة من فاعل ، فلما اختص قولهم : طهور ، بما يكون منه التطهير من الماء والتراب دون ما كان طاهرا من الخشب والثياب على أن الفرق بينهما في المبالغة تعدي الطهور ، ولزوم الطاهر ، ولأن ما أمكن الفرق بين فعوله وفاعله بالتكرار ، لم يفرق بينهما بالتعدي ، كالقتول والقاتل ، وما لم يمكن الفرق بينهما بالتكرار فرق بينهما بالتعدي ، وليس يمكن الفرق بين طهور وطاهر بتكرار الفعل فبان الفرق بينهما بالتعدي .
فأما استدلالهم بالآية فالجواب عنه من وجهين :
[ ص: 39 ] أحدهما : أن هذه صفة للماء ، فلم يمنع منها عدم الحاجة من أهل الجنة إلى التطهير به .
والجواب الثاني : أن المقصود بالآية الامتنان بما أعده الله تعالى لخلقه في الجنة مما هو أعز مشروبا في الدنيا .
وأما قول
جرير فهو دليل لنا ، لأنه قصد به المدح لريقهن بالطهور به مبالغة ، ولو كان معناه طاهرا لما كان مادحا ، لأن ريق البهائم طاهر أيضا ، وإنما بالغ بأن جعله مطهرا تشبيها بالماء .
وأما استدلالهم بأن كل فعول كان متعديا كان فاعله متعديا .
فالجواب عنه أنه إنما سوى بينهما في التعدي إذا أمكن الفرق بينهما من غير التعدي ، وليس يمكن الفرق بين الطهور والطاهر من غير التعدي . فثبت أن الفرق بينهما من جهة التعدي .
وأما قولهم : إنه لو كان متعديا لم ينطلق الاسم عليه إلا بعد وجود التعدي منه ، فهو أنه يجوز أن يسمى بصفة قد توجد في الباقي منه كقولهم : طعام مشبع ، وماء مروي ، نار محرقة ، وسيف قاطع .
وأما قوله : لو كان متعديا لتكرر الفعل منه .
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن هذه صفة لجنس الماء ، وجنس الماء يتكرر منه فعل الطهارة .
والثاني : أن كل جزء من الماء يتكرر منه الفعل في إمراره على العضو وانتقاله من محل إلى محل .
فَصْلٌ : دَلَائِلُ طَهَارَةِ الْمَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=13_431وَالدَّلَائِلُ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ آيَتَانِ :
[ ص: 36 ] إِحْدَاهُمَا : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، وَالثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ، وَسُنَّتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : مَا رَوَاهُ
رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920576خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ .
وَالثَّانِيَةُ : مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ ،
[ ص: 37 ] أَنَّ
الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920577سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، nindex.php?page=treesubj&link=21أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " . وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ الْعَرَكِيَّ قَالَ : " إِنَّا نَرْكَبُ فِي الْبَحْرِ فِي أَرْمَاثٍ لَنَا " ، وَالْعَرَكِيُّ : الصَّيَّادُ . وَالْأَرْمَاثُ : الْخَشَبُ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فَنَرْكَبُ عَلَيْهَا فِي الْبَحْرِ " . قَالَ الشَّاعِرُ :
تَمَنَّيْتُ مِنْ حُبِّي بُثَيْنَةَ أَنَّنَا عَلَى رَمَثٍ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ لَنَا وَفْرُ
قَالَ
الْحُمَيْدِيُّ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ الْعِلْمِ الطَّهَارَةُ ، وَلَعَمْرِي إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18طَهَارَةِ مَا يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=15طَهَارَةِ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالْمَاءُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ نَابِعًا مِنَ الْأَرْضِ
فَصْلٌ : فَأَمَّا الطَّهُورُ الْمَوْصُوفُ بِهِ الْمَاءُ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، فَهُوَ صِفَةٌ تَزِيدُ عَلَى الطَّاهِرِ يَتَعَدَّى التَّطْهِيرُ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ، فَيَكُونُ مَعْنَى الطَّهُورِ هُوَ الْمُطَهِّرُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ ،
وَابْنُ دَاوُدَ وَالْأَصَمُّ : إِنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ لَا يَخْتَصُّ بِزِيَادَةِ التَّعَدِّي .
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَجْوِيزُهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=607_25296إِزَالَةَ الْأَنْجَاسِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَاتِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [ الْإِنْسَانِ : 2 ] . يَعْنِي طَاهِرًا ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّطْهِيرِ بِهِ وَقَالَ
جَرِيرٌ :
[ ص: 38 ] إِلَى رَجَحِ الْأَكْفَالِ عُدَّ مِنَ الظُّبَى عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ
يَعْنِي : طَاهِرًا ، لِأَنَّ رِيقَهُنَّ لَا يَكُونُ مُطَهِّرًا قَالُوا : وَلِأَنَّ كُلَّ فَعُولٍ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَانَ فَاعِلُهُ مُتَعَدِّيًا كَالْمَقْتُولِ وَالْقَاتِلِ ، وَكُلَّ فَاعِلٍ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَانَ فَعُولُهُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَالصَّبُورِ وَالصَّابِرِ ، فَلَمَّا كَانَ الطَّاهِرُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّهُورُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا لَمَا انْطَلَقَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ ، كَالْقَتُولِ وَالضَّرُوبِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ اسْمُ الطُّيُورِ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ وُجُودِ التَّطَهُّرِ بِهِ ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ لِتَعَدِّي الْفِعْلِ مِنْهُ ، بَلْ لِلُزُومٍ ، وَالصِّفَةُ لَهُ أَيِ الْوَصْفُ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا لَوَجَبَ أَنْ يَتَكَرَّرَ فِعْلُ التَّطْهِيرِ مِنْهُ كَالْقَتُولِ وَالضَّرُوبِ ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مُسْتَعْمَلًا عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [ الْأَنْفَالِ : 11 ] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَاءَ يُتَطَهَّرُ بِهِ ، وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَدِّي الْفِعْلِ مِنْهُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبَحْرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920575هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ فِي تَعَدِّي فِعْلِهِ إِلَيْهِمْ إِذْ قَدْ عَلِمُوا طَهَارَتَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِمْ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920578أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ قَبْلِي نَبِيٌّ " فَذَكَرَ مِنْهَا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920579وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا " يَعْنِي مُطَهِّرًا ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ طَاهِرًا عَلَى
مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا افْتَخَرَ بِمَا خُصَّ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّطْهِيرِ بِهِ . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920580دِبَاغُهَا طَهُورُهَا " : أَيْ مُطَهِّرُهَا .
وَقَالَ : " طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ " أَيْ : مُطَهِّرُهُ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الظَّوَاهِرُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى مُطَهِّرٍ ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ .
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ فَهُوَ أَنَّ فَعُولَ أَبْلَغُ فِي اللُّغَةِ مِنْ فَاعِلٍ ، فَلَمَّا اخْتَصَّ قَوْلَهُمْ : طَهُورٌ ، بِمَا يَكُونُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ مِنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ دُونَ مَا كَانَ طَاهِرًا مِنَ الْخَشَبِ وَالثِّيَابِ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُبَالَغَةِ تَعَدِّي الطَّهُورِ ، وَلُزُومُ الطَّاهِرِ ، وَلِأَنَّ مَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَ فَعُولِهِ وَفَاعِلِهِ بِالتَّكْرَارِ ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَدِّي ، كَالْقَتُولِ وَالْقَاتِلِ ، وَمَا لَمْ يُمْكِنِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّكْرَارِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَدِّي ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ طَهُورٍ وَطَاهِرٍ بِتَكْرَارِ الْفِعْلِ فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَدِّي .
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
[ ص: 39 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ لِلْمَاءِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا عَدَمُ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى التَّطْهِيرِ بِهِ .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ الِامْتِنَانُ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ فِي الْجَنَّةِ مِمَّا هُوَ أَعَزُّ مَشْرُوبًا فِي الدُّنْيَا .
وَأَمَّا قَوْلُ
جَرِيرٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَدْحَ لِرِيقِهِنَّ بِالطَّهُورِ بِهِ مُبَالَغَةً ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ طَاهِرًا لَمَا كَانَ مَادِحًا ، لِأَنَّ رِيقَ الْبَهَائِمِ طَاهِرٌ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا بَالَغَ بِأَنْ جَعَلَهُ مُطَهِّرًا تَشْبِيهًا بِالْمَاءِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ كُلَّ فَعُولٍ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَانَ فَاعِلُهُ مُتَعَدِّيًا .
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي التَّعَدِّي إِذَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ التَّعَدِّي ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّهُورِ وَالطَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ التَّعَدِّي . فَثَبَتَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ التَّعَدِّي .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَنْطَلِقِ الِاسْمُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ ، فَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِصِفَةٍ قَدْ تُوجَدُ فِي الْبَاقِي مِنْهُ كَقَوْلِهِمْ : طَعَامٌ مُشْبِعٌ ، وَمَاءٌ مَرْوِيٌّ ، نَارٌ مُحْرِقَةٌ ، وَسَيْفٌ قَاطِعٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : لَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا لَتَكَرَّرَ الْفِعْلُ مِنْهُ .
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ لِجِنْسِ الْمَاءِ ، وَجِنْسُ الْمَاءِ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَاءِ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي إِمْرَارِهِ عَلَى الْعُضْوِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ .