[ ص: 226 ] فصل في كيفية تعلق الزكاة بالمال
قال الجمهور : فيه قولان . القديم : يتعلق بالذمة ، والجديد الأظهر : بالعين ، ويصير المساكين شركاء لرب المال في قدر الزكاة . هكذا صححه الجمهور ، وزاد آخرون قولا ثالثا أنها تتعلق بالعين تعلق الدين بالمرهون ، وقولا رابعا : تتعلق بالعين تعلق الأرش برقبة الجاني ، وممن زاد القولين إمام الحرمين . وأما العراقيون والغزالي والصيدلاني والجمهور ، فجعلوا قول الذمة وتعلق الدين بالمرهون شيئا واحدا ، فقالوا : تتعلق بالذمة ، والمال مرتهن بها ، وجمع صاحب " التتمة " بين الطريقين ، فحكى وجهين ، في أنا إذا قلنا : تتعلق بالذمة ، فهل المال خلو ، أم هو رهن بها ؟ وإذا قلنا كتعلق الرهن إما قولا برأسه وإما جزءا من قول الذمة ، فهل يجعل جميع المال مرهونا بها ، أم يخص قدر الزكاة بالرهن ؟ وجهان ، وكذا إذا قلنا : كتعلق الأرش ، فهل يتعلق بالجميع ، أم بقدرها ؟ فيه الوجهان . والروياني
قال إمام الحرمين : والتخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور ، وما عداه هفوة . هذا كله إذا كان الواجب من جنس المال . أما إذا كان من غيره ، كالشاة الواجبة في الإبل ، فطريقان . أحدهما : القطع بتعلقها بالذمة ، وأصحهما أنه على الخلاف السابق ، فعلى الاستئناف لا يختلف ، وعلى الشركة يشاركون بقيمة الشاة .
[ ص: 227 ] فرع
إذا باع مال الزكاة بعد الحول قبل إخراجها ، فإن باع جميعه فهل يصح البيع في قدر الزكاة ؟ يبنى على الأقوال . فإن قلنا : الزكاة في الذمة والمال خلو منها ، صح ، وإن قلنا : مرهون فقولان ، أظهرهما عند العراقيين وغيرهم : يصح أيضا ؛ لأن هذه العلقة ، تثبت بغير اختيار المالك ، وليست لمعين ، فسومح فيها بما لا يسامح به في الرهن ، وإن قلنا بالشركة فطريقان ، أحدهما : القطع بالبطلان ، وأصحهما وبه قطع أكثر العراقيين : في صحته قولان ، أظهرهما وبه قطع صاحب التهذيب وعامة المتأخرين : البطلان ، وإن قلنا تعلق الأرش ففي صحته القولان في بيع الجاني ، فإن صححناه صار البيع ملتزما للفداء ، ومتى حكمنا بالصحة في قدر الزكاة ، فما سواه أولى ، ومتى حكمنا فيه بالبطلان ، فهل يبطل فيما سواه ؟ وأما على قول الشركة ففيما سواه قولا تفريق الصفقة ، وإن قلنا بالاستيثاق في الجميع ، بطل البيع في الجميع ، وإن قلنا بالاستيثاق في قدر الزكاة ، ففي الزائد قولا تفريق الصفقة ، وحيث منعنا البيع ، وكان المال ثمرة ، فذلك قبل الخرص ، فأما بعده فلا منع إن قلنا : الخرص تضمين .
والحاصل من جميع هذا الخلاف ثلاثة أقوال ، أحدها : البطلان في الجميع ، والثاني : الصحة في الجميع ، وأظهرها البطلان في قدر الزكاة ، والصحة في الباقي . فإن صححنا البيع في الجميع ، نظر ، إن أدى البائع الزكاة من موضع آخر ، فذلك ، وإلا فللساعي أن يأخذ من عين المال من يد المشتري قدر الزكاة على جميع الأقوال بلا خلاف . فإن أخذ ، انفسخ البيع في قدر الزكاة ، وهل ينفسخ في الباقي ؟ فيه الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام . فإن قلنا : ينفسخ [ ص: 228 ] استرد الثمن ، وإلا فله الخيار إن كان جاهلا ، فإن فسخ فذاك ، وإن أجاز في الباقي فيأخذه بقسطه من الثمن ، أم بالجميع ؟ فيه قولان . أظهرهما : بقسطه ، ولو لم يأخذ الساعي الواجب منه ، ولم يؤد البائع الزكاة من موضع آخر ، فالأصح أن للمشتري الخيار إذا علم الحال ، والثاني : لا خيار له . فإن قلنا بالأصح ، فأدى البائع الواجب من موضع آخر ، فهل يسقط الخيار ؟ وجهان . الصحيح أنه يسقط كما لو اشترى معيبا فزال عيبه قبل الرد ، فإنه يسقط ، والثاني : لا يسقط ؛ لاحتمال أن يخرج ما دفعه إلى الساعي مستحقا ، فيرجع الساعي إلى عين المال ، ويجري الوجهان فيما إذا باع السيد الجاني ثم فداه ، هل يبقى للمشتري الخيار ؟ أما إذا أبطلنا البيع في قدر الزكاة وصححناه في الباقي ، فللمشتري الخيار في فسخ البيع في الباقي وإجازته ، ولا يسقط خياره بأداء البائع الزكاة من موضع آخر ، وإذ أجاز فيجيز بقسطه أم بجميع الثمن ؟ فيه القولان المقدمان ، وقطع بعض الأصحاب ، بأنه يجيز بالجميع في المواشي ، والصحيح الأول .
هذا كله إذا باع جميع المال ، فإن بعضه ، فإن لم يبق قدر الزكاة - فهو كما لو باع الجميع ، وإن بقي قدر الزكاة إما بنية صرفه إلى الزكاة وإما بغيرها ، فإن فرعنا على قول الشركة ، ففي صحة البيع وجهان . قال باع ابن الصباغ : أقيسهما : البطلان ، وهما مبنيان على كيفية ثبوت الشركة ، وفيها وجهان . أحدهما أن الزكاة شائعة في الجميع ، متعلقة بكل واحدة من الشياه بالقسط ، والثاني أن محل الاستحقاق قدر الواجب ، ويتعين بالإخراج .
أما إذا فرعنا على قول الرهن ، فيبنى على أن الجميع مرهون أم قدر الزكاة فقط ؟ فعلى الأول : لا يصح ، وعلى الثاني : يصح ، وإن فرعنا على تعلق الأرش ، فإن صححنا بيع الجاني صح هذا البيع ، وإلا فالتفريع ، كالتفريع على قول الرهن . وجميع ما ذكرناه هو في بيع المال الذي تجب الزكاة في عينه . فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة ، فسيأتي في بابها إن شاء الله تعالى .
[ ص: 229 ] فرع
إذا ، فإن حدث منها في كل حول سخلة فصاعدا ، فعليه لكل حول شاة بلا خلاف ، وإلا فعليه شاة عن الحول الأول ، وأما الثاني : فإن قلنا : تجب الزكاة في الذمة ، وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة - وجب شاة للحول الثاني ، وإن لم يملك شيئا غير النصاب ، يبنى على أن الدين يمنع وجوب الزكاة أم لا ؟ إن قلنا : يمنع لم يجب للحول الثاني شيء وإلا وجبت شاة ، وإن قلنا : يتعلق بالعين تعلق الشركة لم يجب للحول الثاني شيء ؛ لأن المساكين ملكوا شاة نقص بها النصاب ، ولا تجب زكاة الخلطة ؛ لأن المساكين لا زكاة عليهم ، فمخالطتهم كمخالطة المكاتب والذمي ، وإن قلنا : يتعلق بالعين تعلق الرهن أو الأرش ، قال إمام الحرمين : فهو كالتفريع على قول الذمة ، وقال ملك أربعين شاة ، فحال عليها الحول ، ولم يخرج زكاتها حتى حال آخر الصيدلاني : هو كقول الشركة ، وقياس المذهب ما قاله الإمام ، لكن يجوز أن يفرض خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه وإن قلنا : الدين لا يمنع الزكاة . وعلى هذا التقدير يجري الخلاف على قول الذمة ، أيضا . ولو ملك خمسا وعشرين من الإبل حولين ولا نتاج ، فإن علقنا الزكاة بالذمة وقلنا : الدين لا يمنعها ، أو كان له مال آخر يفي بها - فعليه بنتا مخاض ، وإن قلنا بالشركة فعليه للحول الأول بنت مخاض ، وللثاني : أربع شياه ، وتفريع الأرش والرهن على قياس ما سبق . ولو ملك خمسا من الإبل حولين بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين . لكن قد ذكرنا أن من الأصحاب من لم يثبت قول الشركة إذا كان الواجب من غير جنس الأصل ، فعلى هذا يكون الحكم في هذه الصورة مطلقا كالحكم في الأوليين تفريعا على قول الذمة ، والمذهب وهو اختيار المزني أنه لا فرق بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غيره ؛ ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءا من الإبل في الشياه ، فدل على تعلق الحق بعينها .
[ ص: 230 ] فرع
إذا ، فتارة يرهنه بعد تمام الحول ، وتارة قبله ، فإن رهنه بعد الحول فالقول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه ، فيعود فيه جميع ما قدمناه ، فإذا صححنا في قدر الزكاة فما زاد أولى ، وإن أبطلناه فيه فالباقي يرتب على البيع ؛ إن صححناه فالرهن أولى ، وإلا فقولا تفريق الصفقة في الرهن إذا جمع حلالا وحراما ، فإذا صححنا الرهن في الجميع فلم يؤد الزكاة من موضع آخر فللساعي أخذها منه . فإذا أخذ انفسخ الرهن فيه ، وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع ، وإذا أبطلناه في الجميع أو في قدر الزكاة ، وكان الرهن مشروطا في بيعه ، ففي فساد البيع قولان ، فإن لم يفسد فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر ، أما إذا رهن قبل تمام الحول فتم ، ففي وجوب الزكاة خلاف قدمناه ، والرهن لا يكون إلا بدين ، وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المعروف ، فإن قلنا : الرهن لا يمنع الزكاة ، وقلنا : الدين لا يمنع أيضا ، أو قلنا : يمنع ، فكان له مال آخر يفي بالدين - وجبت الزكاة ، وإلا فلا . ثم إن لم يملك الراهن مالا آخر أخذت الزكاة من عين المرهون على الأصح ، ولا تؤخذ منه على الثاني . فعلى الأصح : لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة من الإبل - بيع جزء من المال فيها . وقيل : الخلاف فيما إذا كان الواجب من غير جنس المال ، فإن كان من جنسه أخذ من المرهون قطعا ، ثم إذا رهن مال الزكاة ؟ إن علقنا الزكاة بالذمة ، أخذ ، وإلا فلا على الأصح . فإذا قلنا بالأخذ ، وكان النصاب مثليا ، أخذ المثل ، وإلا فالقيمة على قاعدة الغرامات . أما إذا ملك مالا آخر ، [ ص: 231 ] فالمذهب والذي قطع به الجمهور أن الزكاة تؤخذ من سائر أمواله ، ولا تؤخذ من عين المرهون ، وقال جماعة : تؤخذ من عينه إن علقناها بالعين ، وهذا هو القياس ، كما لا يجب على السيد فداء المرهون إذا جنى . أخذت الزكاة من عين المرهون فأيسر الراهن بعد ذلك ، فهل يؤخذ منه قدرها ليكون رهنا عند المرتهن