[ ص: 132 ] المسألة الثامنة
فيعرض فيه الخطأ في الاجتهاد; إما بخفاء بعض الأدلة حتى يتوهم فيه ما لم يقصد منه ، وإما بعدم الاطلاع عليه جملة .
وحكم هذا القسم معلوم من كلام الأصوليين إن كان في أمر جزئي ، وأما إن كان الخطأ في أمر كلي; فهو أشد ، وفي هذا الموطن حذر من زلة العالم ، فإنه جاء في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها; فروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : أخاف عليهم من زلة العالم ، ومن حكم جائر ، ومن هوى متبع .
[ ص: 133 ] وعن عمر : " ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون " .
وعن : " إن مما أخشى عليكم زلة العالم ، أو جدال المنافق بالقرآن ، والقرآن حق ، وعلى القرآن منار كمنار الطريق " . أبي الدرداء
وكان يقول في خطبته كثيرا : وإياكم وزيغة الحكيم; فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة ، وقد يقول المنافق الحق; فتلقوا الحق عمن جاء به; فإن على الحق نورا ، قالوا : وكيف زيغة الحكيم ؟ قال : هي كلمة تروعكم وتنكرونها ، وتقولون ما هذه ؟ فاحذروا زيغته ، ولا تصدنكم عنه; فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق . معاذ بن جبل
[ ص: 134 ] وقال : كيف أنتم عند ثلاث : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تقطع أعناقكم ، فأما زلة العالم; فإن اهتدى ، فلا تقلدوه دينكم ، تقولون : نصنع مثل ما يصنع فلان ، وننتهي عما ينتهي عنه فلان ، وإن أخطأ; فلا تقطعوا إياسكم منه ، فتعينوا عليه الشيطان ، الحديث . سلمان الفارسي
وعن : " ويل للأتباع من عثرات العالم ، قيل : كيف ذلك ؟ قال : يقول العالم شيئا برأيه ، ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه; فيترك قوله ثم يمضي الأتباع . ابن عباس
وعن : " أخبرني ابن المبارك قال : رآني أبي وأنا أنشد الشعر ، فقال لي : يا بني لا تنشد الشعر ، فقلت له : يا أبت كان المعتمر بن سليمان ، الحسن ينشد ، وكان ينشد ، فقال لي : أي بني إن أخذت بشر ما في ابن سيرين الحسن وبشر ما في اجتمع فيك الشر كله " . ابن سيرين
وقال مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك : " ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم " .
[ ص: 135 ] وقال : إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله . سليمان التيمي
قال : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا . ابن عبد البر
وهذا كله وما أشبهه دليل على طلب وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه ، [ ص: 136 ] والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها ، وهو وإن كان على غير قصد ، ولا تعمد وصاحبه معذور ومأجور ، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله فيه خطر عظيم ، وقد قال الحذر من زلة العالم ، : " إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرة وهي في نفسها صغيرة " وذكر منها أمثلة ، ثم قال : فهذه ذنوب يتبع العالم عليها; فيموت العالم ويبقى شره مستطيرا في العالم آمادا متطاولة; فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ، وهكذا الحكم مستمر في زلته في الفتيا من باب أولى; فإنه ربما خفي على العالم بعض السنة أو بعض المقاصد العامة في خصوص مسألته; فيفضي ذلك إلى أن يصير قوله شرعا يتقلد ، وقولا يعتبر في مسائل الخلاف ، فربما رجع عنه وتبين له الحق; فيفوته تدارك ما سار في البلاد عنه ، ويضل عنه تلافيه; فمن هنا قالوا : زلة العالم مضروب بها الطبل . الغزالي