الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لحن

                                                          لحن : اللحن : من الأصوات المصوغة الموضوعة ، وجمعه ألحان ولحون . ولحن في قراءته إذا غرد وطرب فيها بألحان ، وفي الحديث : اقرؤوا القرآن بلحون العرب . وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء . واللحن واللحن واللحانة واللحانية : ترك الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك ، لحن يلحن لحنا ولحنا ولحونا ; الأخيرة [ ص: 183 ] عن أبي زيد ، قال

                                                          [ رؤبة بن العجاج ] :


                                                          فزت بقدحي معرب لم يلحن

                                                          ورجل لاحن ولحان ولحانة ولحنة : يخطئ ، وفي المحكم : كثير اللحن . ولحنه : نسبه إلى اللحن . واللحنة : الذي يلحن الناس . واللحنة : الذي يلحن . والتلحين : التخطئة . ولحن الرجل يلحن لحنا : تكلم بلغته . ولحن له يلحن لحنا : قال له قولا يفهمه عنه ويخفى على غيره لأنه يميله بالتورية عن الواضح المفهوم ومنه قولهم : لحن الرجل فهو لحن إذا فهم وفطن لما لا يفطن له غيره . ولحنه هو عني بالكسر يلحنه لحنا أي فهمه وقول الطرماح :

                                                          وأدت إلي القول عنهن زولة     تلاحن أو ترنو لقول الملاحن

                                                          أي تكلم بمعنى كلام لا يفطن له ويخفى على الناس غيري . وألحن في كلامه أي أخطأ . وألحنه القول : أفهمه إياه فلحنه لحنا : فهمه . ولحنه عني لحنا عن كراع : فهمه قال ابن سيده : وهي قليلة والأول أعرف . ورجل لحن : عارف بعواقب الكلام ظريف . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض أي أفطن لها وأجدل ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ; قال ابن الأثير : اللحن الميل عن جهة الاستقامة ; يقال : لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح المنطق ، وأراد أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره . واللحن ، بفتح الحاء : الفطنة . قال ابن الأعرابي : اللحن ، بالسكون ، الفطنة والخطأ سواء ; قال : وعامة أهل اللغة في هذا على خلافه ، قالوا : الفطنة ، بالفتح ، والخطأ ، بالسكون . قال ابن الأعرابي : واللحن أيضا ، بالتحريك ، اللغة . وقد روي أن القرآن نزل بلحن قريش أي بلغتهم . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : تعلموا الفرائض والسنة واللحن ، بالتحريك ، أي اللغة ; قال الزمخشري : تعلموا الغريب واللحن لأن في ذلك علم غريب القرآن ومعانيه ومعاني الحديث والسنة ، ومن لم يعرفه لم يعرف أكثر كتاب الله ومعانيه ولم يعرف أكثر السنن . وقال أبو عبيد في قول عمر - رضي الله عنه - : تعلموا اللحن أي الخطأ في الكلام لتحترزوا منه . وفي حديث معاوية : أنه سأل عن أبي زياد فقيل إنه ظريف على أنه يلحن ، فقال : أوليس ذلك أظرف له ؟ قال القتيبي : ذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة ، محرك الحاء . وقال غيره : إنما أراد اللحن ضد الإعراب ، وهو يستملح في الكلام إذا قل ، ويستثقل الإعراب والتشدق . ولحن لحنا : فطن لحجته وانتبه لها . ولاحن الناس : فاطنهم ; وقول مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري :


                                                          وحديث ألذه هو مما     ينعت الناعتون يوزن وزنا
                                                          منطق رائع ، وتلحن أحيانا     وخير الحديث ما كان لحنا



                                                          يريد أنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره ، وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها كما قال عز وجل : ولتعرفنهم في لحن القول ; أي في فحواه ومعناه ; وقال القتال الكلابي :


                                                          ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا     ولحنت لحنا لحنا ليس بالمرتاب

                                                          وكأن اللحن في العربية راجع إلى هذا لأنه من العدول عن الصواب . وقال عمر بن عبد العزيز : عجبت لمن لاحن الناس ولاحنوه كيف لا يعرف جوامع الكلم . أي فاطنهم وفاطنوه وجادلهم ; ومنه قيل : رجل لحن إذا كان فطنا ; قال لبيد :


                                                          متعوذ لحن يعيد بكفه     قلما على عسب ذبلن وبان

                                                          وأما قول عمر - رضي الله عنه - : تعلموا اللحن والفرائض ، فهو بتسكين الحاء وهو الخطأ في الكلام . وفي حديث أبي العالية قال : كنت أطوف مع ابن عباس وهو يعلمني لحن الكلام ; قال أبو عبيد : وإنما سماه لحنا لأنه إذا بصره بالصواب فقد بصره اللحن . قال شمر : قال أبو عدنان سألت الكلابيين عن قول عمر تعلموا اللحن في القرآن كما تعلمونه فقالوا : كتب هذا عن قوم ليس لهم لغو كلغونا ، قلت : ما اللغو ؟ فقال : الفاسد من الكلام ، وقال الكلابيون : اللحن اللغة ، فالمعنى في قول عمر تعلموا اللحن فيه يقول تعلموا كيف لغة العرب فيه الذين نزل القرآن بلغتهم ; قال أبو عدنان : وأنشدتني الكلبية :


                                                          وقوم لهم لحن سوى لحن قومنا     وشكل ، وبيت الله لسنا نشاكله

                                                          قال : وقال عبيد بن أيوب :


                                                          ولله در الغول أي رفيقة     لصاحب قفر خائف يتقتر
                                                          فلما رأت أن لا أهال وأنني     شجاع إذا هز الجبان المطير
                                                          أتتني بلحن بعد لحن وأوقدت     حوالي نيرانا تبوخ وتزهر

                                                          ورجل لاحن لا غير إذا صرف كلامه عن جهته ولا يقال لحان . الليث : قول الناس قد لحن فلان تأويله قد أخذ في ناحية عن الصواب أي عدل عن الصواب إليها ; وأنشد قول مالك بن أسماء :


                                                          منطق صائب وتلحن أحيا     نا وخير الحديث ما كان لحنا

                                                          قال : تأويله وخير الحديث من مثل هذه الجارية ما كان لا يعرفه كل أحد ، إنما يعرف أمرها في أنحاء قولها ، وقيل معنى قوله وتلحن أحيانا أنها تخطئ في الإعراب ، وذلك أنه يستملح من الجواري ، ذلك إذا كان خفيفا ، ويستثقل منهن لزوم حاق الإعراب . وعرف ذلك في لحن كلامه أي فيما يميل إليه . الأزهري : اللحن ما تلحن إليه بلسانك أي تميل إليه بقولك ، ومنه قوله عز وجل : ولتعرفنهم في لحن القول ; أي نحو القول ، دل بهذا أن قول القائل وفعله يدلان على نيته وما في ضميره ، وقيل : في لحن القول أي في فحواه ومعناه . ولحن إليه يلحن لحنا أي نواه ومال إليه . قال ابن بري وغيره : للحن ستة معان : الخطأ في الإعراب ، واللغة والغناء والفطنة والتعريض والمعنى ، فاللحن الذي هو الخطأ في الإعراب يقال منه لحن في كلامه ، بفتح الحاء ، يلحن لحنا ، فهو لحان ولحانة ، وقد [ ص: 184 ] فسر به بيت مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري كما تقدم ، واللحن الذي هو اللغة كقول عمر - رضي الله عنه - : تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن ، يريد اللغة ، وجاء في رواية تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه ، يريد تعلموا لغة العرب بإعرابها ; وقال الأزهري : معناه تعلموا لغة العرب في القرآن واعرفوا معانيه كقوله تعالى : ولتعرفنهم في لحن القول ; أي معناه وفحواه ، فقول عمر - رضي الله عنه - : تعلموا اللحن ، يريد اللغة ; وكقوله أيضا : أبي أقرأونا وإنا لنرغب عن كثير من لحنه أي من لغته وكان يقرأ التابوه ; ومنه قول أبي ميسرة في قوله تعالى : فأرسلنا عليهم سيل العرم ; قال : العرم المسناة بلحن اليمن أي بلغة اليمن ; ومنه قول أبي مهدي : ليس هذا من لحني ولا لحن قومي ; واللحن الذي هو الغناء وترجيع الصوت والتطريب شاهده قول يزيد بن النعمان :


                                                          لقد تركت فؤادك مستجنا     مطوقة على فنن تغنى
                                                          يميل بها وتركبه بلحن     إذا ما عن للمحزون أنا
                                                          فلا يحزنك أيام تولى     تذكرها ولا طير أرنا

                                                          وقال آخر :


                                                          وهاتفين بشجو بعدما سجعت     ورق الحمام بترجيع وإرنان
                                                          باتا على غصن بان في ذرى فنن     يرددان لحونا ذات ألوان

                                                          ويقال : فلان لا يعرف لحن هذا الشعر أي لا يعرف كيف يغنيه . وقد لحن في قراءته إذا طرب بها . واللحن الذي هو الفطنة يقال منه لحنت لحنا إذا فهمته وفطنته ، فلحن هو عني لحنا أي فهم وفطن ، وقد حمل عليه قول مالك بن أسماء : وخير الحديث ما كان لحنا ، وقد تقدم ; قاله ابن الأعرابي وجعله مضارع لحن بالكسر ; ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته أي أفطن لها وأحسن تصرفا . واللحن الذي هو التعريض والإيماء ; قال القتال الكلابي :


                                                          ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا     ووحيت وحيا ليس بالمرتاب

                                                          ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد بعث قوما ليخبروه خبر قريش : الحنوا لي لحنا ، وهو ما روي أنه بعث رجلين إلى بعض الثغور عينا فقال لهما : إذا انصرفتما فالحنا لي لحنا أي أشيرا إلي ولا تفصحا وعرضا بما رأيتما ، أمرهما بذلك لأنهما ربما أخبرا عن العدو ببأس وقوة ، فأحب أن لا يقف عليه المسلمون . ويقال : جعل كذا لحنا لحاجته إذا عرض ولم يصرح ; ومنه أيضا قول مالك بن أسماء وقد تقدم شاهدا على أن اللحن الفطنة ، والفعل منه لحنت له لحنا ، على ما ذكره الجوهري عن أبي زيد ; والبيت الذي لمالك :


                                                          منطق صائب وتلحن أحيا     نا وخير الحديث ما كان لحنا

                                                          ومعنى صائب : قاصد الصواب وإن لم يصب ، وتلحن أحيانا أي تصيب وتفطن ، وقيل : تريد حديثها عن جهته ، وقيل : تعرض في حديثها ، والمعنى فيه متقارب ، قال : وكأن اللحن في العربية راجع إلى هذا لأنه العدول عن الصواب ; قال عثمان بن جني : منطق صائب أي تارة تورد القول صائبا مسددا وأخرى تتحرف فيه وتلحن أي تعدله عن الجهة الواضحة معتمدة بذلك تلعبا بالقول وهو من قوله ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته أي أنهض بها وأحسن تصرفا ، قال : فصار تفسير اللحن في البيت على ثلاثة أوجه : الفطنة والفهم ، وهو قول أبي زيد وابن الأعرابي وإن اختلفا في اللفظ ، والتعريض ، وهو قول ابن دريد والجوهري ، والخطأ في الإعراب على قول من قال تزيله عن جهته وتعدله عن الجهة الواضحة ، لأن اللحن الذي هو الخطأ في الإعراب هو العدول عن الصواب ، واللحن الذي هو المعنى والفحوى كقوله تعالى : ولتعرفنهم في لحن القول ; أي في فحواه ومعناه . وروى المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العنوان واللحن واحد ، وهو العلامة تشير بها إلى الإنسان ليفطن بها إلى غيره ، تقول : لحن لي فلان بلحن ففطنت ; وأنشد :


                                                          وتعرف في عنوانها بعض لحنها     وفي جوفها صمعاء تحكي الدواهيا

                                                          قال : ويقال للرجل الذي يعرض ولا يصرح قد جعل كذا وكذا لحنا لحاجته وعنوانا . وفي الحديث : وكان القاسم رجلا لحنة ، يروى بسكون الحاء وفتحها ، وهو الكثير اللحن ، وقيل : هو بالفتح الذي يلحن الناس أي يخطئهم ، والمعروف في هذا البناء أنه الذي يكثر منه الفعل كالهمزة واللمزة والطلعة والخدعة ونحو ذلك . وقدح لاحن إذا لم يكن صافي الصوت عند الإفاضة ، وكذلك قوس لاحنة إذا أنبضت . وسهم لاحن عند التنفيز إذا لم يكن حنانا عند الإدامة على الإصبع ، والمعرب من جميع ذلك على ضده . وملاحن العود : ضروب دستاناته . يقال : هذا لحن فلان العواد وهو الوجه الذي يضرب به . وفي الحديث : اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل العشق ; اللحن : التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة والشعر والغناء ، قال : ويشبه أن يكون أراد هذا الذي يفعله قراء الزمان من اللحون التي يقرؤون بها النظائر في المحافل ، فإن اليهود والنصارى يقرؤون كتبهم نحوا من ذلك .

                                                          العرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية