الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- درجة القدرة التسخيرية وحدود الخبرة المربية قلنا: إن " القدرة التسخيرية " هـي ثمرة تزاوج القدرات العقلية، مع الخبرات الكونية والاجتماعية, وإن هـذه الخبرات دوائر بعضها أوسع من بعض. ونضيف هـنا أن درجة القدرة تتناسب مع سعة الخبرة المربية. فالفرد يكون لديه قدرة تسخيرية في ميادين الكون والاجتماع والنفس، التي بلغت خبرته فيها مستوى الخبرة المربية، فإذا خرج خارج دائرة خبراته المربية، فقد القدرة على تسخير الظواهر التي يواجهها في الدوائر الجديدة. ولذلك تتحدد الخبرات المربية عند ابن الريف داخل حدود الريف، فيكون مستقل التفكير والسلوك، قادرا على اتخاذ القرارات.. ولكنه حين يخرج من المدينة، تتعطل قدراته التسخيرية، ويفقد القدرة على اتخاذ القرار المستقل، حتى إنه إذا أراد شراء قطعة من القماش مثلا، فإنه يلجأ إلى بعض معارفه أو أصدقائه من أبناء المدينة لشراء القماش الذي يراه ملائما.. ولو أنه كذلك دخل مطعما لم يجرؤ على اختيار ما يأكله ويشربه، ويفوض الآخرين، ليختاروا له، أو يقلدهم فيما يأكلون ويشربون [1] .. ولو أنه أراد الزواج من المدينة، فإنه يقع على أول فتاة تصادفه، ولو كانت من سقط المتاع، وتظل هـذه حالته حتى تتعمق خبراته وتبلغ درجة الخبرات المربية. [ ص: 117 ] ومثل ابن الريف ؛ الزعيم السياسي ، أو القائد العسكري ، أو المدير الإداري الذي ينتمي إلى قطر من الأقطار التي لم تدخل عصر التكنولوجيا المتقدمة بعد، أي أنها ما زالت تستوردها ولا تنتجها. فمثل هـؤلاء الأنماط الثلاثة من الزعماء والقادة والمديرين، يتخذون قراراتهم ويقومون بممارستهم داخل بلادهم باستقلال وتفكير، ولكنهم حين يخرجون خارج دائرة خبراتهم المربية التي اكتسبوها من بيئاتهم، فإنهم يفقدون القدرة على اتخاذ القرار المستقل، والمعالجات المستقلة، ويلجأون إلى الأصدقاء والحلفاء من أبناء الدول المتقدمة المنتجة للتكنولوجيا، ليمدوهم بالخبراء، الذين يتخذون لهم القرار، ويضعون خطط التنفيذ، وكثيرا ما يستغل الخبراء مكانتهم هـذه ليتخذوا قرارات وليمارسوا تطبيقات، تخدم مصالح أقطارهم، وتضر بالمسئولين المحليين وبلادهم. ومثل النوعين معا؛ المثقف أو المربي الذي ينتمي إلى بلد من البلدان التي لم تدخل عصر تفجر المعرفة، والذي لم يتدرب على التفاعل مع الكون المحيط والوجود القائم، فمثل هـذا المثقف أو المربي يكون مستقل النظر والقرار داخل حدود خبراته المربية، التي كونها داخل بيئته وثقافته. ولكنه حين يخرج خارج دوائر خبراته الثقافية والتربوية، فإنه يتبنى ما يتلى عليه، أو ما يقرأه دون تحليل، أو تقويم، ويتلقاه تلقي الوحي المعصوم، ويظل يكرره ويجتره حتى يغيره أهله الذين أنتجوه، ثم يمدونه بأفكار غيرها وهكذا. لذلك كان واجب التربية أن تتوسع في تكوين الخبرات المربية عند المتعلمين، حتى تدخلهم دائرة خبرات العصر، والمستقبل المنظور. وبذلك يتكون عند الناشئة القدرات التسخيرية، التي تمكنهم من تلبية حاجاتهم القائمة والمستقبلية، ومواجهة المشكلات الموجودة والمحتملة. [ ص: 118 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية