الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    معلومات الكتاب

                    استشراف المستقبل في الحديث النبوي

                    الدكتور / إلياس بلكا

                    - قاعدة في أصل التصرفات الدنيوية للرسول صلى الله عليه وسلم :

                    وهذا الحديث -وغيره- يقرر قاعدة عظيمة لها صلة بالنبوة وحقيقتها؛ وهي: الأصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدبر شيئا من شئون الدنيا؛ كالحكم والقضاء والحرب والسلم وتسيـير المدينة وحياة الناس... إلا بحسب الظاهر ونظام الوجود في الأسباب والمسببات، وأن الله تعالى حين يطلعه على بعض الغيوب في ذلك فمن باب الاستثناء، وأنه لا يقضي بحسب هـذا الاطلاع الاستثنائي.

                    لذلك قال المازري في تعليقه على حديث: ( اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة ) [1] : «إنه صلى الله عليه وسلم متعبد بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله تعالى» [2] .

                    ويقول النووي في شرح حـديث: ( إنكم تختصمون إلي... ) : «إنما يحكم بين الناس بالظاهر، والله يتولى السرائر، فيحكم بالبينة واليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر، مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك، ولكنه إنما كلف الحكم [ ص: 47 ] بالظاهر... ولو شاء الله تعالى لأطلعه صلى الله عليه وسلم على باطن أمر الخصمين، فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين، لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور؛ ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هـو وغيره؛ ليصح الاقتداء به وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن» [3] .

                    وهذا شأن الأنبياء جميعا، الذين يجيبون ربهم يوم الحساب بقولهم:

                    ( لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) (المائدة:109) ؛

                    قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وصححه الرازي : إنما قالوا: لا عـلم لنا؛ لأنك تعـلم ما أظهروا وما أضمروا، ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا [4] .

                    وقد اشتهر هـذا المعنى بين الناس حتى عدوا من أقوال النبي الكريم: «أمرت أن أحكم بالظاهر، والله يتولى السـرائر.» وهذا -من حيث المعنى- صحيح، كما تشهد بذلك الأحاديث السابقة، لكن هـذا اللفظ بالخصوص لم يثبت [5] . [ ص: 48 ]

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية