الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              2- دور الحكومة في توزيع الريع:

              الحكومة في المجتمع الريعي هي التي تقوم بإيجاد كل أنواع الريع باستثناء تحويلات العاملين، والحكومات في الدول الريعية هي التي تسيطر على موارد المجتمع وثروته، وهي في الوقت نفسه تقوم بتوزيعه من خلال كونها أكبر مصدر للتوظيف واستخدام العمالة، ومن خلال تحكمها بحجم ونوع الاستثمارات والجهات المستفيدة من ذلك في المجتمع، وهذا الوضع يمكن الحكومات من فرض وتشكيل نمط من العلاقات الريعية أو علاقات التبادل المصلحي وهي علاقات تبعية (سيد-تابع، أو يملك-لايملك)، التي يكون الهدف منها توجيه ولاء عامة الناس للسادة في المجتمع، كل حسب موقعه في الهرم الاجتماعي.

              والحكومة أيضا هي التي تقوم بتوزيع هذا الريع على هيئة منافع ومكاسب على السـكان، وعادة ما تتـم عملية التـوزيع ضمـن أسس ومعايير سياسية لا اقتصادية واجتماعية، بحيث يستأثر علية القوم أو السادة والنخب وأصحاب [ ص: 163 ] المصالح الخاصة، والمتنفذون بقسم كبير من هذه المنافع، خصوصا في مجال العطاءات الحكومية ورخص الاستيراد والتصدير.. إلخ، وذلك من خلال المواقع الوظيفية في القطاع العام، وهذا الاستئثار هو نوع من التبادل المصلحي والمنفعي بين الحكومة من جهة والفئات والشرائح والمتنفذة من جهة أخرى.

              يعمل توزيع الريع ممثلا بالوظائف والاستثمارات والعطاءات والوكالات..الخ في الدولة الريعية على أسس وعلاقات مصلحية على تحويل المجتمع إلى مجتمع ريعي، تتسم بنيته بالهرمية والتراتبية، وتتميز علاقاته بالتبعية، وتقوم هذه العلاقات على مبدأ المنفعة والتبادل المصلحي غير المتكافئ، ليصب كل ذلك في النهاية في مصلحة السادة أو "الباترونات"، الذين تتجمع في أيديهم ثروة المجتمع، وليتشكل بفعل هذه العلاقات تحالف السلطة والمال، الذي يقود عملية الإفساد في المجتمع ويهلك الحرث والنسل.

              يؤدي خضوع عملية توزيع الريع أو الثروة في الدولة الريعية لمبدأ المصلحة والتبادل المنفعي، إلى اللامساواة في هذا التوزيع، سواء أكان ذلك على مستوى الشرائح السكانية أم المناطق والأقاليم في هذه الدولة، فتوزيع الخدمات والاستثمارات في الدولة الريعية ينسجم ويتسق مع توزيع أسباب القوة فيها، بمعنى أنه قد تستأثر منطقة يوجد فيها متنفذ أو مجموعة من المتنفذين بمستويات ممتازة من الخدمات والاستثمارات التي تكون أكثر من حاجتها، في الوقت الذي تحتاج فيه مناطـق أخرى لمثل هـذه الخـدمات، ولا تحصل عليها، لأنها تفتقر لوجود متنفـذين يملكون السلطة لتحقيق ذلك، وغالبا يستأثر المركز [ ص: 164 ] أو العاصمة باهتمام الحكومة في الدولة الريعية دون غيره من مناطق وأقاليم الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى بروز الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينه وبين مناطق وأقاليم الدولة الأخرى.

              إن نمط علاقات التبعية، التي تقوم على أسس مصلحية في المجتمع الريعي، يعمل بمرور الزمن على تطوير وخلق العقلية الريعية، وهذه العقلية تستخدم الموارد في المجتمع لتحقيق فوائد ومنافع خاصة، ودون خلق أي إضافة أو أي مخرجات جديدة [1] ، فهي عقلية يهمها الربح بالدرجة الأولى وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومن غير أن تبذل أي جهد، لذلك فهذه العقلية إلى جانب أنها اتكالية، فهي لا تتورع أن تسلك في سبيل ذلك سبلا شتى، وتتبع مختلف الأساليب، فولاؤها يتبع مصادر نفعها، لذلك فهي عقلية ليست وطنية الولاء، إنما هي عقلية أنانية، قد تكون جهوية أو إقليمية أو حتى طائفية، لكنها أولا وأخيرا لا تنظر إلا لمصلحتها الخاصة، وهكذا تؤدي هذه العقلية بخلفياتها وأسباب ظهورها إلى استشراء الفساد والظلم في المجتمع.

              وهكذا تعمل ثنائية الريع والسلطة بنمط علاقاتها الاجتماعية على تكريس وتجذير اللامساواة المكانية والطبقية داخل المجتمع الريعي، إلى جانب أنها تعيد إنتاج صور وأشكال مختلفة من الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المرتبط بهذه الحالة. [ ص: 165 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية