الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسعودي : ممن اختلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي ، وهو أخو أبي العميس عتبة المسعودي ، ذكر الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المزكين للرواة" عن يحيى بن معين أنه قال: "من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء ".

وذكر حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل أنه قال: "سماع عاصم - هو ابن علي - وأبي النضر وهؤلاء من المسعودي بعدما اختلط ".

[ ص: 1430 ]

التالي السابق


[ ص: 1430 ] 257 - قوله: ( المسعودي : ممن اختلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي ، وهو أخو أبي العميس عتبة المسعودي ، ذكر الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المزكين للرواة" عن يحيى بن [ ص: 1431 ] معين أنه قال: "من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء ".

وذكر حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل أنه قال: "سماع عاصم - هو ابن علي - وأبي النضر وهؤلاء من المسعودي بعدما اختلط ") انتهى.

وفيه أمور:

أحدها: أن المصنف اقتصر على ذكر اثنين ممن سمع منه بعد الاختلاط، وهما عاصم بن علي، وأبو النضر هاشم بن القاسم. وممن سمع منه أيضا بعد الاختلاط عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وحجاج بن محمد الأعور، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد. قال محمد بن عبد الله بن نمير: "كان المسعودي ثقة، فلما كان بآخرة اختلط، سمع منه عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة" وما روى عنه الشيوخ فهو مستقيم.

وقال عمرو بن علي الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: "رأيت [ ص: 1432 ] المسعودي سنة رآه عبد الرحمن بن مهدي، فلم أكلمه" وسأل محمد بن يحيى الذهلي أبا الوليد الطيالسي عن سماع عبد الرحمن بن مهدي من المسعودي فقال: "سمع منه بمكة شيئا يسيرا" وذكر ابن عساكر في (تاريخ دمشق) عن أحمد بن حنبل قال: "كل من سمع من المسعودي بالكوفة مثل وكيع، وأبي نعيم. وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد في الاختلاط، إلا من سمع بالكوفة" انتهى.

وأما أبو داود الطيالسي فقال الخطيب في تاريخه: إنه سمع من المسعودي ببغداد، وقد تقدم قول أحمد. وقال ابن عمار "من سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف".

وقال عمرو بن علي الفلاس: سمعت أبا قتيبة -هو مسلم بن قتيبة- يقول: "رأيت المسعودي سنة ثلاث وخمسين، وكتبت عنه وهو صحيح، ثم رأيته سنة سبع وخمسين -أي ومائة- والذر يدخل في أذنه، وأبو داود يكتب عنه، فقلت له: أتطمع أن تحدث عنه وأنا حي؟!" وقال عثمان بن عمر بن فارس: "كتبنا عن المسعودي وأبو داود جرو يلعب بالتراب".

[ ص: 1433 ] وأما علي بن الجعد: فإن سماعه منه أيضا ببغداد، فإن علي بن الجعد إنما قدم البصرة سنة ست وخمسين ومائة، والمسعودي يومئذ ببغداد.

الأمر الثاني: في بيان ابتداء اختلاطه، وقد اقتصر المصنف على حكاية كلام ابن معين أن من سمع منه في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، وعلى هذا فكانت مدة اختلاطه سنة أو سنتين؛ فإن أبا جعفر المنصور مات بظاهر مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وكانت وفاة المسعودي على المشهور في سنة ستين ومائة، قاله سليمان بن حرب، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وبه حزم البخاري [ ص: 1434 ] في (تاريخه) نقلا عن أحمد، وابن حبان في (الضعفاء) وابن زبر وابن قانع وابن عساكر في (التاريخ) والمزي في (التهذيب) والذهبي في (العبر) و(الميزان) وما اقتضاه كلام يحيى بن معين من قدر مدة اختلاطه صرح به أبو حاتم الرازي، فقال: "تغير بآخرة قبل موته بسنة أو سنتين".

وفي كلام غير واحد أنه اختلط قبل ذلك، وتقدم قول أبي قتيبة سلم بن قتيبة أنه رآه سنة سبع وخمسين والذر يدخل في أذنيه.

وقال عمرو بن علي الفلاس: سمعت معاذ بن معاذ يقول: رأيت المسعودي سنة أربع وخمسين يطالع الكتاب -يعني أنه قد تغير حفظه- وهذا موافق لما حكاه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، أنه قال: "إنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد" انتهى.

[ ص: 1435 ] وكان قدوم المسعودي بغداد سنة أربع وخمسين، ولكن لم يختلط في أول قدومه بغداد، فقد سمع منه شعبة ببغداد، كما ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) وعلى هذا فقد طالت مدة اختلاطه، لا سيما على قول من قال: إنه مات سنة خمس وستين، وهو قول يعقوب بن شيبة، رواه الخطيب في (التاريخ) عنه وإن كان المشهور أنه توفي سنة ستين ومائة، كما تقدم، لكن قد روينا بالإسناد الصحيح إلى علي بن المديني، سمعت معاذ بن معاذ يقول: "قدم علينا المسعودي البصرة قدمتين، يملي علينا إملاء، ثم لقيت المسعودي ببغداد سنة أربع وخمسين، وما أنكر منه قليلا ولا كثيرا، فجعل يملي علي، ثم أذن لي في بيته، ومعي عبد الله بن عثمان، ما أنكر منه قليلا ولا كثيرا".

قال: "ثم قدمت عليه مرة أخرى مع عبد الله بن حسن، قال: فقلت لمعاذ: سنة كم؟ قال: سنة إحدى وستين، فقالوا: دخل عليه، فذهب ببعض سماعه، فأنكروه لذلك. قال معاذ: فتلقانا يوما، فسألته عن حديث القاسم، فأنكره، [ ص: 1436 ] وقال: ليس من حديثي، قال: ثم رأيت رجلا جاءه بكتاب عمرو بن مرة، عن إبراهيم، فقال: كيف هو في كتابك؟ قال: عن علقمة، وجعل يلاحظ كتابه، فقال معاذ: فقلت له: إنك إنما حدثتناه عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن عبد الله؟ قال: هو عن علقمة" انتهى.

ففي هذا أنه تأخر إلى سنة إحدى وستين، وقد رواه هكذا ابن عساكر في (التاريخ) وغيره، وذكره المزي في (التهذيب) وضبب على قوله: (إحدى) وذلك أنه اقتصر في التهذيب على أنه توفي سنة ستين، فرأى هذا مخالفا لما ذكر من وفاته، فضبب عليه. والله أعلم.

الأمر الثالث: في بيان من سمع منه قبل اختلاطه، قال أحمد بن حنبل: "سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم" وأبو نعيم أيضا قال: "وإنما اختلط المسعودي ببغداد" قال: "ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد" انتهى.

وعلى هذا فتقبل رواية كل من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد، وهم أمية بن خالد، وبشر بن المفضل، وجعفر بن عون، وخالد بن [ ص: 1437 ] الحارث، وسفيان بن حبيب، وسفيان الثوري، وأبو قتيبة سلم بن قتيبة، وطلق بن غنام، وعبد الله بن رجاء الغداني، وعثمان بن عمر بن فارس، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن الهيثم، والقاسم بن معن بن [ ص: 1438 ] عبد الرحمن، ومعاذ بن معاذ العنبري، والنضر بن شميل، ويزيد بن زريع.

الأمر الرابع: أنه قد شدد بعضهم في أمر المسعودي ورد حديثه كله؛ لأنه لا يتميز حديثه القديم من حديثه الأخير، قال ابن حبان في (تاريخ الضعفاء): "كان المسعودي صدوقا، إلا أنه اختلط في آخر عمره اختلاطا شديدا، حتى ذهب عقله، وكان يحدث بما يحب، فحمل عنه، فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير، ولم يتميز، فاستحق الترك". وقال أبو الحسن القطان في كتاب (بيان الوهم والإيهام): "كان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد" انتهى.

والصحيح ما قدمناه من أن من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد فسماعه صحيح، كما قال أحمد، وابن عمار، وقد ميزنا بعض ذلك. والله أعلم.




الخدمات العلمية