النوع السابع والعشرون:
nindex.php?page=treesubj&link=29218معرفة آداب المحدث
وقد مضى طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله .
علم الحديث علم شريف، يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وينافر مساوئ الأخلاق، ومشاين الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا . فمن أراد التصدي لإسماع الحديث، أو لإفادة شيء من علومه، فليقدم تصحيح النية وإخلاصها وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها، وليحذر بلية حب الرياسة، ورعوناتها .
وقد اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=32119السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث، والانتصاب لروايته ، والذي نقوله : إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان ، وروينا عن
القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال : "الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر، في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو : أن يستوفي الخمسين ; لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد ، قال
سحيم بن وثيل :
أخو خمسين مجتمع أشدي ونجذني مداورة الشئون
قال : "وليس بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين; لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقله، ويجود رأيه ".
وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابن خلاد ، وقال : كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين.
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين. وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي .
وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل : "ابن سبع عشرة، والناس متوافرون وشيوخه أحياء ، وكذلك
محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة، وانتصب لذلك ". والله أعلم .
قلت : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابن خلاد غير مستنكر، وهو محمول على أنه قاله : فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره ، فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور، فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده . وأما الذين ذكرهم
عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم، فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29218_29196السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط، ويروي ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم ، وهكذا إذا عمي، وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه، فليمسك عن الرواية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابن خلاد : أعجب إلي أن يمسك في الثمانين، لأنه حد الهرم، فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا .
ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه الاختلال والإخلال أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط، كما اتفق لغير واحد من الثقات، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق، nindex.php?page=showalam&ids=12514وسعيد بن أبي عروبة.
وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن، فساعدهم التوفيق، وصحبتهم السلامة، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة ،
وعلي بن الجعد ، في عدد جم من المتقدمين، والمتأخرين . وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم :
الحسن بن عرفة، nindex.php?page=showalam&ids=13890وأبو القاسم البغوي، وأبو إسحاق الهجيمي، nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين. والله أعلم .
ثم إنه
nindex.php?page=treesubj&link=29218لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك .
وكان
إبراهيم، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم
إبراهيم بشيء ، وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه، لسنه، أو لغير ذلك .
روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين، قال : "إذا حدثت في بلد فيه مثل
أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق ". وعنه أيضا: "إن الذي يحدث بالبلدة - وفيها من هو أولى بالتحديث منه - أحمق ".
nindex.php?page=treesubj&link=29218وينبغي للمحدث - إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره، في بلده، أو غيره، بإسناد أعلى من إسناده، أو أرجح من وجه آخر - أن يعلم الطالب به، ويرشده إليه، فإن الدين النصيحة .
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه، فإنه يرجى له حصول النية من بعد .
روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر، قال : كان يقال : "إن الرجل ليطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل".
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره ، وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير رضي الله عنهما. والله أعلم .
وليقتد
بمالك رضي الله عنه فيما أخبرناه
أبو القاسم الفراوي بنيسابور ، قال: أنا
nindex.php?page=showalam&ids=11911أبو المعالي الفارسي ، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=13933أبو بكر البيهقي الحافظ، قال : أنا
أبو عبد الله الحافظ، قال : أخبرني
إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، حدثنا جدي ، قال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس، قال : "كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، وحدث ". فقيل له في ذلك ، فقال : "أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا".
وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو هو قائم، أو يستعجل ، وقال : "أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل لذلك، ويتبخر ويتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال : قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فمن رفع صوته عند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروينا - أو بلغنا - عن
محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال : "القارئ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام لأحد فإنه يكتب عليه خطيئة ".
ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد عن
حبيب بن أبي ثابت أنه قال : "إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا" والله أعلم .
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسه وليختتمه بذكر ودعاء يليق بالحال ، ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: " الحمد لله رب العالمين، أكمل الحمد على كل حال ، والصلاة والسلام الأتمان، على سيد المرسلين، كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون ، اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل، وسائر الصالحين، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون ".
nindex.php?page=treesubj&link=29218ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث، فإنه من أعلى مراتب الراوين، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها، وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع، فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك . وممن روي عنه ذلك :
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ،
وأبو عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=17376ويزيد بن هارون ، في عدد كثير من الأعلام السالفين .
وليكن مستمليه محصلا متيقظا، كيلا يقع في مثل ما روينا أن
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون سئل عن حديث، فقال : "حدثنا به عدة"، فصاح به مستمليه : "يا
أبا خالد، عدة ابن من؟" فقال له : "عدة ابن فقدتك ".
وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه، فإن لم يجد استملى قائما . وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف . والفائدة في استملاء المستملي توصل من يسمع لفظ المملي على بعد منه إلى تفهمه، وتحققه بإبلاغ المستملي .
وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي ، فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا من غير بيان الحال فيه . وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين.
[ ص: 732 ] [ ص: 733 ] [ ص: 734 ] [ ص: 735 ] [ ص: 736 ] [ ص: 737 ]
النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29218مَعْرِفَةُ آدَابِ الْمُحَدِّثِ
وَقَدْ مَضَى طَرَفٌ مِنْهَا اقْتَضَتْهُ الْأَنْوَاعُ الَّتِي قَبْلَهُ .
عِلْمُ الْحَدِيثِ عِلْمٌ شَرِيفٌ، يُنَاسِبُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَ الشِّيَمِ، وَيُنَافِرُ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ، وَمَشَايِنَ الشِّيَمِ، وَهُوَ مِنْ عُلُومِ الْآخِرَةِ لَا مِنْ عُلُومِ الدُّنْيَا . فَمَنْ أَرَادَ التَّصَدِّيَ لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، أَوْ لِإِفَادَةِ شَيْءٍ مِنْ عُلُومِهِ، فَلْيُقَدِّمْ تَصْحِيحَ النِّيَّةِ وَإِخْلَاصَهَا وَلْيُطَهِّرْ قَلْبَهُ مِنَ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَأَدْنَاسِهَا، وَلْيَحْذَرْ بَلِيَّةَ حُبِّ الرِّيَاسَةِ، وَرُعُونَاتِهَا .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32119السِّنِّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، وَالِانْتِصَابُ لِرِوَايَتِهِ ، وَالَّذِي نَقُولُهُ : إِنَّهُ مَتَى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْدَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لِرِوَايَتِهِ وَنَشْرِهِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ ، وَرُوِّينَا عَنِ
الْقَاضِي الْفَاضِلِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ : "الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ، فِي الْحَدِّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ النَّاقِلُ حَسُنَ بِهِ أَنْ يُحَدِّثَ هُوَ : أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخَمْسِينَ ; لِأَنَّهَا انْتِهَاءُ الْكُهُولَةِ وَفِيهَا مُجْتَمَعُ الْأَشُدِّ ، قَالَ
سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ :
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّئُونِ
قَالَ : "وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يُحَدِّثَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ; لِأَنَّهَا حَدُّ الِاسْتِوَاءِ وَمُنْتَهَى الْكَمَالِ، نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ تَتَنَاهَى عَزِيمَةُ الْإِنْسَانِ وَقُوَّتُهُ، وَيَتَوَفَّرُ عَقْلُهُ، وَيَجُودُ رَأْيُهُ ".
وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابْنِ خَلَّادٍ ، وَقَالَ : كَمْ مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا السَّنِّ وَمَاتَ قَبْلَهُ، وَقَدْ نَشَرَ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ مَا لَا يُحْصَى هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تُوُفِّيَ وَلَمْ يُكْمِلِ الْأَرْبَعِينَ.
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ يَبْلُغِ الْخَمْسِينَ. وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ .
وَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ جَلَسَ لِلنَّاسِ ابْنَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ : "ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ وَشُيُوخُهُ أَحْيَاءٌ ، وَكَذَلِكَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أُخِذَ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ، وَانْتَصَبَ لِذَلِكَ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قُلْتُ : مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابْنُ خَلَّادٍ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ : فِيمَنْ يَتَصَدَّى لِلتَّحْدِيثِ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ بَرَاعَةٍ فِي الْعِلْمِ تَعَجَّلَتْ لَهُ قَبْلَ السِّنِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ، فَهَذَا إِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَا عِنْدَهُ . وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ
عِيَاضٌ مِمَّنْ حَدَّثَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِبَرَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ تَقَدَّمَتْ، ظَهَرَ لَهُمْ مَعَهَا الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِمْ، فَحَدَّثُوا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ سُئِلُوا ذَلِكَ إِمَّا بِصَرِيحِ السُّؤَالِ وَإِمَّا بِقَرِينَةِ الْحَالِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29218_29196السِّنُّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمُحَدِّثُ انْبَغَى لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ التَّحْدِيثِ فَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَخْلِطَ، وَيَرْوِيَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَالنَّاسُ فِي بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ ، وَهَكَذَا إِذَا عَمِيَ، وَخَافَ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَلْيُمْسِكْ عَنِ الرِّوَايَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابْنُ خَلَّادٍ : أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُمْسِكَ فِي الثَّمَانِينَ، لِأَنَّهُ حَدُّ الْهَرَمِ، فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَرَأْيُهُ مُجْتَمِعًا يَعْرِفُ حَدِيثَهُ وَيَقُومُ بِهِ وَتَحَرَّى أَنْ يُحَدِّثَ احْتِسَابًا رَجَوْتُ لَهُ خَيْرًا .
وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ الثَّمَانِينَ ضَعُفَ حَالُهُ فِي الْغَالِبِ وَخِيفَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَالُ وَالْإِخْلَالُ أَوْ أَنْ لَا يُفْطَنَ لَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُخَلِّطَ، كَمَا اتَّفَقَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ، nindex.php?page=showalam&ids=12514وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ.
وَقَدْ حَدَّثَ خَلْقٌ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ هَذَا السِّنِّ، فَسَاعَدَهُمُ التَّوْفِيقُ، وَصَحِبَتْهُمُ السَّلَامَةُ، مِنْهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، nindex.php?page=showalam&ids=31وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى مِنَ الصَّحَابَةِ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وَابْنُ عُيَيْنَةَ ،
وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، فِي عَدَدٍ جَمٍّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ . وَفِيهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ حَدَّثُوا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهُمُ :
الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، nindex.php?page=showalam&ids=13890وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهُجَيْمِيُّ، nindex.php?page=showalam&ids=11872وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ إِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29218لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ .
وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ، nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ
إِبْرَاهِيمُ بِشَيْءٍ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكِرَهَ الرِّوَايَةَ بِبَلَدٍ فِيهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لِسِنِّهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ .
رُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17336يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ : "إِذَا حَدَّثْتُ فِي بَلَدٍ فِيهِ مِثْلُ
أَبِي مُسْهِرٍ فَيَجِبُ لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ ". وَعَنْهُ أَيْضًا: "إِنَّ الَّذِي يُحَدِّثُ بِالْبَلْدَةِ - وَفِيهَا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْدِيثِ مِنْهُ - أَحْمَقُ ".
nindex.php?page=treesubj&link=29218وَيَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ - إِذَا الْتُمِسَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فِي بَلَدِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، بِإِسْنَادٍ أَعْلَى مِنْ إِسْنَادِهِ، أَوْ أَرْجَحَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ - أَنْ يُعْلِمَ الطَّالِبَ بِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ .
وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ تَحْدِيثِ أَحَدٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ صَحِيحِ النِّيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ حُصُولُ النِّيَّةِ مِنْ بَعْدُ .
رُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٍ، قَالَ : كَانَ يُقَالُ : "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَطْلُبُ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وَلْيَكُنْ حَرِيصًا عَلَى نَشْرِهِ مُبْتَغِيًا جَزِيلَ أَجْرِهِ ، وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ يَتَأَلَّفُ النَّاسُ عَلَى حَدِيثِهِ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلْيَقْتَدِ
بِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ
أَبُو الْقَاسِمِ الْفُرَاوِيُّ بِنَيْسَابُورَ ، قَالَ: أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11911أَبُو الْمَعَالِي الْفَارِسِيُّ ، أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13933أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ : أَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي ، قَالَ: حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ : "كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ تَوَضَّأَ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِهِ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَهُ، وَتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ بِوَقَارٍ وَهَيْبَةٍ، وَحَدَّثَ ". فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : "أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أُحَدِّثَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا".
وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ هُوَ قَائِمٌ، أَوْ يَسْتَعْجِلُ ، وَقَالَ : "أُحِبُّ أَنْ أَتَفَهَّمَ مَا أُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ لِذَلِكَ، وَيَتَبَخَّرُ وَيَتَطَيَّبُ، فَإِنْ رَفَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ فِي مَجْلِسِهِ زَبَرَهُ وَقَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فَمَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِّينَا - أَوْ بَلَغَنَا - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَالَ : "الْقَارِئُ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَامَ لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ".
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مَعَ أَهْلِ مَجْلِسِهِ مَا وَرَدَ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ : "إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْقَوْمَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا" وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَسْرُدُ الْحَدِيثَ سَرْدًا يَمْنَعُ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِهِ، وَلْيَفْتَتِحْ مَجْلِسَهُ وَلْيَخْتَتِمْهُ بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ يَلِيقُ بِالْحَالِ ، وَمِنْ أَبْلَغِ مَا يَفْتَتِحُهُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَكْمَلَ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ، عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَآلِ كُلٍّ، وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، نِهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُونَ ".
nindex.php?page=treesubj&link=29218وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحَدِّثِ الْعَارِفِ عَقْدُ مَجْلِسٍ لِإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الرَّاوِينَ، وَالسَّمَاعُ فِيهِ مِنْ أَحْسَنِ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ وَأَقْوَاهَا، وَلْيَتَّخِذْ مُسْتَمْلِيًا يُبَلِّغُ عَنْهُ إِذَا كَثُرَ الْجَمْعُ، فَذَلِكَ دَأْبُ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَصَدِّينَ لِمِثْلِ ذَلِكَ . وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ :
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ، nindex.php?page=showalam&ids=16102وَشُعْبَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَوَكِيعٌ ،
وَأَبُو عَاصِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17376وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْلَامِ السَّالِفِينَ .
وَلْيَكُنْ مُسْتَمْلِيهِ مُحَصِّلًا مُتَيَقِّظًا، كَيْلَا يَقَعَ فِي مِثْلِ مَا رُوِّينَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=17376يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ : "حَدَّثَنَا بِهِ عِدَّةٌ"، فَصَاحَ بِهِ مُسْتَمْلِيهِ : "يَا
أَبَا خَالِدٍ، عِدَّةُ ابْنُ مَنْ؟" فَقَالَ لَهُ : "عِدَّةُ ابْنُ فَقَدْتُكَ ".
وَلْيَسْتَمْلِ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ كُرْسِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ اسْتَمْلَى قَائِمًا . وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ لَفْظَ الْمُحَدِّثِ فَيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ . وَالْفَائِدَةُ فِي اسْتِمْلَاءِ الْمُسْتَمْلِي تَوَصُّلُ مَنْ يَسْمَعُ لَفْظَ الْمُمْلِي عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ إِلَى تَفَهُّمِهِ، وَتَحَقُّقِهِ بِإِبْلَاغِ الْمُسْتَمْلِي .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ إِلَّا لَفْظَ الْمُسْتَمْلِي ، فَلَيْسَ يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ جَوَازَ رِوَايَتِهِ لِذَلِكَ عَنِ الْمُمْلِي مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْحَالِ فِيهِ . وَفِي هَذَا كَلَامٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.
[ ص: 732 ] [ ص: 733 ] [ ص: 734 ] [ ص: 735 ] [ ص: 736 ] [ ص: 737 ]