الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3888 حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثتني جدتي قالت سمعت سهل بن حنيف يقول مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا ثابت يتعوذ قالت فقلت يا سيدي والرقى صالحة فقال لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة قال أبو داود الحمة من الحيات وما يلسع

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ( سهل بن حنيف ) بضم الحاء مصغرا وكنيته سهل أبو ثابت شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت يوم أحد معه لما انهزم الناس ( فخرجت محموما ) أي : أخذتني الحمى من الاغتسال بعد خروجي من السيل ( فنمي ) بصيغة المجهول . قال في النهاية : يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت : نميته بالتشديد هكذا قال أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء انتهى ( ذلك ) الأمر الذي كان من شأني ( فقال ) - صلى الله عليه وسلم - ( مروا أبا ثابت ) هو كنية سهل ( يتعوذ ) بالله من هذا العين الذي أصابه .

                                                                      ولفظ مالك في الموطأ : عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول : اغتسل أبي بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال : وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال : فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال : فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر أن سهلا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر بن ربيعة ، فقال [ ص: 302 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس .

                                                                      مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال : رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط بسهل فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له : يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه فقال : هل تتهمون له أحدا؟ قالوا نتهم عامر بن ربيعة؟ قال فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامر بن ربيعة فتغيظ عليه وقال : علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت؟ اغتسل له فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس . وهذا الحديث ظاهره الإرسال وأخرج ابن ماجه أيضا نحوه لكنه سمع ذلك من والده ففي رواية ابن أبي شيبة عن شبابة عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي أمامة عن أبيه أن عامرا مر به وهو يغتسل الحديث .

                                                                      ولأحمد والنسائي وصححه ابن حبان من وجه آخر عن الزهري عن أبي أمامة أن أباه حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة الحديث ( قالت فقلت ) والحديث أخرجه أحمد أيضا هكذا والظاهر أن الرباب قالت : إن سهل بن حنيف قال : فقلت يا سيدي فجملة " يا سيدي " هي مقولة سهل بن حنيف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا هي مقولة الرباب لسهل بن حنيف ويؤيد هذا المعنى قول الحافظ ابن القيم كما سيجيء وقال الخطابي : فيه جواز أن يقول الرجل لرئيسه يا سيدي ( والرقى صالحة ) أي : أوفي الرقى منفعة تنفع من العين وغيرها ويجوز العلاج بالرقية ( فقال ) - صلى الله عليه وسلم - ( لا رقية إلا في نفس ) أي : في عين . قاله الخطابي ( أو حمة ) أي : ذوات السموم كلها . قاله ابن القيم ( أو لدغة ) من العقرب وقال ابن القيم : هديه - صلى الله عليه وسلم - في العلاج العام لكل شكوى بالرقية الإلهية كما رواه أبو داود ، من حديث أبي الدرداء مرفوعا : " من اشتكى منكم شيئا واشتكاه أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء " الحديث .

                                                                      وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري : أن جبرئيل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد اشتكيت؟ قال : نعم قال : بسم الله أرقيك من [ ص: 303 ] كل شيء يؤذيك الحديث . فإن قيل : فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود : ولا رقية إلا من عين أو حمة ؟ فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد به جواز الرقية في غيرها بل المراد به لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمة ويدل عليه سياق الحديث فإن سهل بن حنيف قال له لما أصابته العين أو في الرقى خير فقال لا رقية إلا في نفس أو حمة ويدل عليه سائر أحاديث الرقى العامة والخاصة وقد روى أبو داود من حديث أنس مرفوعا : لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ وفي صحيح مسلم عنه أيضا : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والحمة والنملة ، انتهى .

                                                                      وقال أيضا في زاد المعاد : وهديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج لدغة العقرب بالرقية روى ابن أبي شيبة في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره ، قال : ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ : قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت انتهى .

                                                                      ورواه البيهقي والطبراني في الصغير بإسناد حسن كما قاله الزرقاني في شرح المواهب عن علي بنحوه لكنه قال ثم دعا بماء ومسح عليها وقرأ قل يا أيها الكافرون والمعوذتين . ولذا قال ابن عبد البر رقى - صلى الله عليه وسلم - نفسه لما لدغ من العقرب بالمعوذتين وكان يمسح الموضع الذي لدغ بماء فيه ملح كما في حديث علي .

                                                                      وفي حديث عائشة عند ابن ماجه : لعن الله العقرب ما تدع المصلي وغير المصلي اقتلوها في الحل والحرم وروى أبو يعلى عنها كان - صلى الله عليه وسلم - لا يرى بقتلها في الصلاة بأسا وفي السنن عن أبي هريرة : جاء رجل فقال : يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال - صلى الله عليه وسلم - : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك إن شاء الله .

                                                                      وفي التمهيد لابن عبد البر عن سعيد بن المسيب قال : بلغني أن من قال حين يمسي : سلام على نوح في العالمين لم يلدغه عقرب انتهى .

                                                                      ( قال أبو داود ، الحمة من الحيات وما يلسع ) قال في تاج العروس : لسعت الحية [ ص: 304 ] والعقرب تلسع لسعا كما في الصحاح أي : لدغت . وقال الليث : اللسع للعقرب تلسع بالحمة ويقال : إن الحية أيضا تلسع . وزعم أعرابي أن من الحيات ما يلسع بلسانه كلسع العقرب بالحمة وليست له أسنان . أو اللسع لذوات الإبر من العقارب والزنابير وأما الحيات فإنها تنهش وتعض وتجذب . وقال الليث : ويقال اللسع لكل ما ضرب بمؤخرة واللدغ بالفم انتهى مختصرا .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي وفي بعض طرقه أن الذي رآه فأصابه بعينه هو عامر بن ربيعة العنزي بفتح العين وسكون النون وبعدها زاي .




                                                                      الخدمات العلمية