الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يصح التيمم إلا بنية الفرض ، فإن نوى بتيممه صلاة مطلقة أو صلاة نافلة لم يستبح الفريضة . وحكى شيخنا أبو حاتم القزويني أن أبا يعقوب الأبيوردي حكى عن الإملاء قولا آخر أنه لا يستبيح به الفرض ، ووجهه أنه طهارة فلم يفتقر إلى نية الفرض كالوضوء . والذي يعرفه البغداديون من أصحابنا ، كالشيخ أبي حامد وشيخنا القاضي أبي الطيب أنه يستبيح به الفرض لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح به الصلاة ، فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه بخلاف الوضوء ، فإنه يرفع الحدث فاستباح به الجميع ، وهل يفتقر إلى تعيين الفريضة ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) يفتقر لأن كل موضع افتقر إلى نية الفريضة افتقر إلى تعيينها ، كأداء الصلاة ( والثاني ) لا يحتاج إلى تعيينها ، ويدل عليه قوله في البويطي ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) ينبغي للمتيمم لفريضة أن ينوي استباحة تلك الفريضة بعينها ، فإن نوى استباحة الفرض مطلقا ولم يعين فوجهان مشهوران في طريقة العراقيين أصحهما : يجزئه ويستبيح أي فريضة أراد ، اتفق الأصحاب على تصحيحه ، وبه قطع جمهور الخراسانيين . ونقل إمام الحرمين اتفاق طرق المراوزة عليه ، قال : والوجه الآخر حكاه العراقيون وهو مطرح لا التفات إليه ، وصرح القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وآخرون من الطريقتين بأن اشتراط تعيين الفريضة غلط والقائلون بالاشتراط هم [ ص: 256 ] أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وأبو القاسم الصيمري ، واختاره أبو علي السنجي - بالسين المهملة والنون والجيم - حكاه عنهم الرافعي . وأما قول المصنف : " وعليه يدل قوله في البويطي " فالمذكور في البويطي أنه إذا نوى فريضتين كان له أن يصلي إحداهما . ووجه الدلالة منه أنه خيره بينهما فلو وجب التعيين لم يستبح واحدة منها ، وللقائل الآخر أن يجيب عن هذا النص ويقول : إنما جوز له أن يصلي إحداهما لأنه نواها وعينها ونوى معها غيرها فلغي الزائد . قال أصحابنا : فإذا قلنا بالمذهب أن التعيين ليس بشرط ، فنوى استباحة الظهر فله أن يصلي فريضة أخرى ، وإذا نوى الحاضرة صلى الفائتة ، وكذا عكسه والله أعلم . أما إذا لم ينو الفريضة بل نوى استباحة النافلة أو نوى استباحة الصلاة ولم يقصد فرضا ولا نفلا ففيه ثلاث طرق الصحيح منها عند جمهور الأصحاب أنه لا يستبيح الفرض في الصورتين .

                                      ( والثاني ) في استباحته قولان ، واختار الروياني في الحلية الاستباحة .

                                      ( والثالث ) إن نوى النفل ففي استباحة الفرض القولان ، وإن نوى الصلاة فقط استباح الفرض قولا واحدا ، وهذا الطريق اختيار إمام الحرمين والغزالي قال الإمام : لأن الصلاة اسم جنس تتناول الفرض والنفل ، ويخالف ما لو نوى المصلي الصلاة فإنها لا تنعقد إلا نفلا ، لأن الصلاة لا يمكن أن يجمع فيها بين فرض ونفل بنية واحدة فحمل على الأقل وهو النفل . وأما التيمم فيمكن الجمع في نيته بين فرض ونفل ، فحملت الصلاة في نيته على الجنس ، ثم إذا قلنا بالمذهب في الصورتين ، وهو أنه لا يستبيح الفرض استباح النفل على الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور . وفيه وجه ضعيف غريب في التتمة والتهذيب وغيرهما أنه لا يستبيح النفل أيضا ، وعلى هذا الوجه لا يستبيح النفل تابعا للفرض والله أعلم . هذا تفريع مذهبنا ، وجوز أبو حنيفة استباحة الفرض بنية التيمم للنفل كالوضوء . وقال مالك وأحمد : لا يستبيح الفرض بنية النفل ، ودليل الجميع [ ص: 257 ] قد أشار إليه المصنف ، وأما أبو حاتم القزويني فتقدم بيانه في باب الآنية . وأما أبو يعقوب الأبيوردي فبفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وفتح الواو وإسكان الراء منسوب إلى أبيورد بلدة بخراسان ، قال أبو سعد السمعاني : وينسب إليها أيضا الباوردي ، قال : والنسبة الأولى هي الصحيحة .




                                      الخدمات العلمية