الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الثالث : في الوصال ، وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب . وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم . وروي عن ابن الزبير أنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . ولنا ما روى ابن عمر ، قال : { واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فواصل الناس ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقالوا : إنك تواصل . قال : إني لست مثلكم ، إني أطعم وأسقى } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ، ومنع إلحاق غيره به . وقوله : ( إني أطعم وأسقى ) . يحتمل أنه يريد أنه يعان على الصيام ، ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام ، بمنزلة من طعم وشرب . ويحتمل أنه أراد : إني أطعم حقيقة ، وأسقى حقيقة ، حملا للفظ على حقيقته . والأول أظهر ، لوجهين : أحدهما ، أنه لو طعم وشرب حقيقة لم يكن مواصلا ، وقد أقرهم على قولهم : إنك تواصل .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد روي أنه قال : ( إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ) . وهذا يقتضي أنه في النهار ، ولا يجوز الأكل في النهار له ولا لغيره . إذا ثبت هذا ، فإن الوصال غير محرم . وظاهر قول الشافعي أنه محرم ، تقريرا لظاهر النهي في التحريم . [ ص: 56 ]

                                                                                                                                            ولنا أنه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم يكن محرما ، كما لو تركه في حال الفطر . فإن قيل : فصوم يوم العيد محرم ، مع كونه تركا للأكل والشرب المباح . قلنا : ما حرم ترك الأكل والشرب بنفسه ; وإنما حرم بنية الصوم ، ولهذا لو تركه من غير نية الصوم لم يكن محرما . وأما النهي فإنما أتى به رحمة لهم ، ورفقا بهم ; لما فيه من المشقة عليهم . كما نهى عبد الله بن عمرو عن صيام النهار ، وقيام الليل ، وعن قراءة القرآن في أقل من ثلاث . قالت عائشة : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، رحمة لهم } .

                                                                                                                                            وهذا لا يقتضي التحريم ، ولهذا لم يفهم منه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التحريم ، بدليل أنهم واصلوا بعده ، ولو فهموا منه التحريم لما استجازوا فعله . قال أبو هريرة : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فلما أبوا أن ينتهوا ، واصل بهم يوما ويوما ، ثم رأوا الهلال . فقال : لو تأخر لزدتكم } . كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا . متفق عليه . فإن واصل من سحر إلى سحر جاز ; لما روى أبو سعيد ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر } أخرجه البخاري . وتعجيل الفطر أفضل ، لما قدمناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية