الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع : في الكتاب إذا أزهى بعض الحائط امتنعت مساقاته لجواز بيعه حينئذ فلا ضرورة ، وإذا عجز العامل وقد حل بيعها لا يساقي غيره ويستأجر من يعمل معه ، فإن لم يوجد إلا بيع نصيبه فعل ، فإن فضل شيء فله ، وإن نقص ففي ذمته إلا أن ترضى أنت بأخذه وتعفيه من العمل فذلك لك ولمساقي الزرع والثمر مساقاة غيره في مثل أمانته ، فإن ساقى غير أمين ضمن ، قال ابن أبي سلمة : المساقاة بالنقدين كبيع ما لم يبد صلاحه ، ولا يجوز أن يربح في المساقاة إلا ثمرا مثل أخذه على النصف وإعطائه على الثلثين ، قال ابن يونس : إذا قلت : استأجر عليك لتمام العمل وأبيع ما صار لك من الثمرة واستوفى ما أديت والفاضل له [ ص: 110 ] وعليه ، فينبغي أن يكون لك ذلك ; لأن العمل كان لازما له ، ولو قلت له : خذ ما أنفقت واخرج امتنع وإن رضي ، كأنه باع نصيبه من الثمرة قبل بدو صلاحه ، وإن اجتمعتما على بيع الزرع أو الثمر قبل طيبه وزهوه ممن يحصده أو يجده ، جوزه ابن القاسم ، وإذا أخذ على النصف وأعطى على الثلثين فعلمت بذلك فأنت أحق بنصف الثمرة ويرجع الثاني على الأول بما بقي له - قاله : مالك ، وتجوز له مساقاتك بأقل مما أخذ إذا لم تطلب الثمرة كالأجنبي ، ويمتنع بمكيلة مسماة وبثمرة نخلة معروفة كأصل المساقاة وبأكثر مما أخذ منك ; لأنه يحتاج يعطيك من حائط آخر ، قال ابن يونس : وقد أجاز الدفع بالأكثر للأجنبي مع أنه يعطي من حائط آخر ، فيجوز هاهنا ولا فرق بينهما ، ويحتمل أن يريد أنك تعلم أنه يعطيك من حائط آخر بخلاف الأجنبي ، فلو كان عالما امتنع فيهما ، وإذا رجع الأجنبي عليه بعد أخذك بفاضل ماله وهو الربع مثلا ، رجع بربع قيمة إجارته ، وعن ابن القاسم يجوز لك أن تقول له اخرج من الحائط ولك ربع الثمرة - إذا طابت ، ويجوز إعطاؤك قبل الطيب جزءا شائعا بخلاف كيل معين ; لأنها قد تعطب بالجوانح فهو غرر بخلاف الجزء ، وعن مالك إن لم يعمل جاز إعطاؤه جزءا شائعا ، ويمتنع بعد العمل ; لأنه أعطيته فيما تقدم من عمله من الثمرة ما جعلت له منها وهو مجهول ، وكأنك أعطيته الجزء المجهول عن أشهر مضت وهي معلومة فهي إجارة بأجرة مجهولة . قال ابن حبيب : إذا ترك ودفع لك جعلا من غير ما ساقى عليه قبل الجداد أو بعده ، رددت الجعل ورجع لمساقاته وعليه [ ص: 111 ] لك أجر العمل بعد الرد ، ولو كانا اثنين فسلم أحدهما لصاحبه بجزئه من الثمرة جاز ، وكذلك المالكان ; لأنها مساقاة ، فلو كانا حائطين - لعاملين أو مالكين - امتنع إخراج أحدهما للآخر بجزء من ثمر أحد الحائطين للغرر ، ويجوز بجزء منهما ، وإذا بعت الحائط امتنع إخراج المشتري بشيء تعطيه له ، كما يمتنع منك ; لأنه انتقل إليه بالعقد ما كان لك ، قال ابن القاسم : يجوز البيع بعد المساقاة ، كما يجوز بعد الإجارة ، قال محمد : إن أبرت الثمرة أو طابت جاز ، علم المبتاع أم لا ، وإلا امتنع ، علم أم لا ؛ لامتناع استيفائك شيئا من الثمرة قبل التأبير ، قال اللخمي : تجوز مساقاة النخل الكبير البالغ حد الإطعام عجز عنه صاحبه أم لا ، كانت فيه ثمرة أم لا - السنة والسنتين ، وتمتنع في الذي لم يطعم والكثير الذي فيه ثمر قد بدا صلاحه - على اختلاف فيه ، وتمتنع في عقد ما بدا صلاحه وما لم يبد ، فهذه أربعة أقسام يجوز منها الأول دون الثلاثة ، وإذا أزهى بعض الحائط وليس بباكور وهو جنس واحد ، جاز بيع جميعه ، وتمتنع مساقاته على قوله في الكتاب ، وعنه جواز مساقاة حائط بثمر من حائط آخر على أن لك جزءا من الثمرة وكان ذلك بعد طيب الثمرة التي يعطي منها وكان السقي معروفا بمنزلة الأجرة وهي إجارة ، وإذا كان الذي طاب باكورا بعيد اللحوق وساقيته على جميع الحائط ويأخذ الجزء مما طاب خاصة جاز وهو إجارة ؛ كإعطائك حائطين طاب أحدهما على أن يأخذ مما طاب وتمتنع مساقاتهما وتأخذ مما لم [ ص: 112 ] يطب أو منهما ; لأنها مساقاة لا إجارة ، وإن كان يسقي ما طاب وحده ويأخذه منه جاز على أحد القولين لمالك ، أو يسقي ما لم يطب منه - جاز اتفاقا ، أو يسقي الجميع ويأخذ مما لم يطب وهو الأكثر والذي طاب يسير مختلط بما لم يطب ، فهذه ستة أحوال لطيب بعض الحائط ، وعن مالك تجوز مساقاة نخلك ، معه رمان طاب يضيق بالنخل يشرب معها وهو لك ، ويحمل قوله في جواز مساقاة ما يسقيها بماء البائع ما لم يكن في الحائط رقيق ولا دواب أو كانوا وشرط طعامهم عليك ، وإن شرط عليه فسد ; لأنه طعام بطعام مستأخر ، وعلى قوله في مساقاة ما صلح أنها إجارة تكون الجائحة قبل اليبس منك ويرجع بقيمة إجارته في جميع الثمرة ; لأنه إنما يسقيها بماء البائع وعمله في ذلك تبع ، وإذا مات قبل تمام العمل موسرا استؤجر عليه من ماله حتى يكمل العمل ، رضي الوارث أم لا ; لأن العمل مضمون في ذمته ، فإن لم يخلفا مالا وعجز الوارث عن القيام سلم الحائط لك ولا شيء للوارث ، قاله : مالك وابن القاسم ، لشبه المساقاة بالجعالة ، قال : والقياس أن يكون له إذا عجز ولوارثه بقدر ما انتفعت به من العمل إذا تممت العمل وسلمت الثمرة قياسا على قوله في حافر البئر إذا تركه في الجعالة فأجرت غيره أن للأول بقدر ما انتفعت به ، وله أن يساقيك على مثل الجزء ، فإن استفضل شيئا ولم يعمل جاز ، فإن عمل فظاهر المدونة الجواز . ومنعه في العتبية للتهمة أن يكون عمل على أن يسقي شهرا ثم يعيده - قبل الطيب ويأخذ جزءا بعد الطيب ، وإذا انقضى العام الأول جازت الإقالة إذا لم يعمل في الثاني شيئا ، فإن عمل وتقايلتما فعلى قوله في العتبية : لا تجوز الإقالة إلا قبل [ ص: 113 ] العمل وموافقة الجزء ، وإذا تبين أنه خائن أو سارق سرح في المساقاة أو إجارة الدار ، قال ابن القاسم : لا يخرجان ويتحفظ منهما ، قال : وفيه نظر ، بل ذلك عيب فيهما ويعجز عن تحفظهما ، قال : وأرى أن تكرى الدار وتساقي عليه بالعين أو تساقيه - الخيار لك .

                                                                                                                فرع : في الجواهر المساقاة الفاسدة إذا أدركت قبل الشروع فسخت ، أو بعد الفراغ ، ففي الواجب أربعة أقوال : أجرة المثل ، مساقاة المثل مطلقا ما لم تكن أكثر من المشترط - إن كان الشرط للمساقي ، أو الأقل إن كان الشرط للمساقي - التفصيل لابن القاسم : أجرة المثل إن خرجا إلى الإجارة الفاسدة أو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها كاشتراط أحدهما زيادة من عين أو عرض أو غيرهما . فالمالك مستأجر بأجرة فاسدة ، والعامل مشتر للثمرة بما زاده ، وإلا فمساقاة المثل إذا لم يخرجا عن حكمها بل عقداها على غرر الحائط على النصف وآخر على الثلث - واشترط من العمل ما لا يلزم مما لا يبقى مؤبدا .

                                                                                                                قال الشيخ أبو الوليد : الذي وجد فيه لابن القاسم : مساقاة المثل أربع مسائل : اثنتان في المدونة إذا ساقاه - وفي الحائط ثمر أطعم ، أو اشترط المساقي العمل معه .

                                                                                                                [ ص: 114 ] واثنتان في العتبية : اجتماعها مع البيع في عقد ، ( أو ساقاه ) سنة على النصف وسنة على الثلث . الحال الثالثة أن يعثر عليها في أثناء العمل ، فيفسخ والواجب فيه أجرة المثل - إذا انتهى على ما تقدم من تفصيل ابن القاسم - وله أجرة مثله فيما عمل إلى حين العثور ، ولا يفسخ ما الواجب فيه مساقاة المثل ، بل يمضي وله مساقاة مثله ، ولو كانت أعواما وبقي بعضها بعد العثور ، بني على مساقاته فيها مساقاة المثل ، فهذه ثلاثة أحوال للمساقاة الفاسدة .

                                                                                                                قال ابن يونس : المساقاة الفاسدة يجري فيها الخلاف الذي في القراض : هل له مساقاة مثله مطلقا ، أو أجرة المثل مطلقا ، أو التفرقة لابن القاسم : إن كان الفساد لزيادة يختص بها أحدهما فأجرة المثل ، أو شيء يرجع إلى المال بقراض المثل .

                                                                                                                فرع : وفي الكتاب : المساقاة إلى الجداد ، وتمتنع إلى سنة أو شهر ، فإن أطعمت في السنة مرتين فالجداد الأول حتى يشترط الثاني ، وتجوز مساقاة السنين ما لم تكثر جدا ، وليس لأحدهما المشاركة حتى تنقضي المدة ; لأن المساقاة عقد لازم إلا أن يتتاركا بغير شيء يأخذه أحدهما من الآخر ، وليس كبيع ثمر لم يبد صلاحه ; لأن للعامل أن يساقي غيره ، قال اللخمي : إذا ساقاه بعد المغارسة المتقدمة في الفرع المتقدم قبل هذا والغرس من عندك فهو أجير فيما عمله قبل [ ص: 115 ] الإطعام ، ويخرج متى عثر عليه ما لم يبلغ الإطعام ، فيبقى في يديه على مساقاة المثل بقية ذلك الأجل ، وقيل : الأقل من المسمى أو مساقاة المثل ، فإن كان الغرس من عنده وفات بالعمل قبل فوت وله قيمته وقت وضعه ; لأنه وقت الإتلاف ، وقيمة خدمته إلى وقت خروج ما لم يبلغ الإطعام فيمضي على مساقاة المثل وقيل : ليس فوتا ; لأنه باعه بيعا فاسدا على أن تبقى يده عليه ينتفع بثمرته بعد الطيب ، فهو تحجير من البائع والغرس للبائع وعليه قيمة ما أصلحت الأرض وتنميته فيه وله قيمته يوم يخرج عن الأرض قائما ; لأنه غرسه بإذنك وقيل : مقلوعا لفساد الإذن شرعا .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : يزكى الحائط على ملك ربه إن كان خمسة أوسق وإن لم ينته إلا وسقين ; لأن الباقي أجرة عليه ويزكي العامل ، وإن كان عبدا أو كافرا ، فإن كان رب الحائط كذلك ، لم يزك العامل ; لأن نصيبه يطيب على ملك رب الحائط ، ولهذا يسقط العمل بالجائحة قاله : مالك ، وعنه لا يسقط وعلى هذا يطيب على ملك العامل ، وإن يسقيها من الآن لنفسه ويكون شريكا فيها ، ولا تجب الزكاة إلا على من في نصيبه نصاب ، فإن أصاب أربعة أوسق ، ولكل واحد نخل إذا أضافها لثمر المساقاة كمل النصاب وجبت الزكاة ، ويجوز اشتراط الزكاة عليه واشتراطها عليك ، وعلى الأول وإن كانت أربعة أوسق ، هل يقتسمان على عشرة أجزاء : ستة لك وأربعة له ، أو على تسعة أجزاء على ما كنتما لو أخرجت الزكاة أو نصفين لعدم النصاب ثلاثة أقوال .

                                                                                                                فرع : في الكتاب يمتنع اشتراط سقي النخل بمائة وتصرف مالك حيث شئت [ ص: 116 ] كاشتراطك زيادة دينار .

                                                                                                                فرع : قال : إذا اجتمعتما على البيع قبل الطيب أو الزهو لمن يحصد أو يجد جاز كالشركاء .

                                                                                                                فرع : قال : تمتنع الإقالة على شيء يعطيك إياه - شرع في العمل أم لا ; لأنه إن أثمرت النخل فهو بيع الثمرة قبل الطيب ، وإلا فأكل المال بالباطل .

                                                                                                                فرع : قال إذا اختلفتما صدق فيما يشبه ، ويصدق مدعي الصحة ; لأنها أصل تصرفات المسلمين ، قال ابن يونس : قوله فيما يشبه يريد بعد العمل ، وإلا تحالفتما وتفاسختما على القول بلزومها بالعقد ، وإذا قلت : ساقيتك بغير دواب ولا رقيق ، قال ابن القاسم : تحالفا وتفاسخا ، قال : وفيه نظر ; لأنك ادعيت عدم كراء الدواب ، فينبغي أن تصدق كالإجارات والبيوع ، وإذا قلت : بعيد الفراغ لم يعط ثمرا صدق قاله مالك ; لأن حقك في الثمر لا في حصته والعادة عدم الإشهاد على الدفع ، قال اللخمي : إذا اختلفتما في الجزء قبل العمل وأتيتما بما يشبه تحالفتما وتفاسختما ، أو بعد العمل صدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه ، فإن أتيت بما يشبه وأتى بما لا يشبه صدقت مع يمينك ، فإن نكلتما أو أتيتما بما لا يشبه فمساقاة المثل ، فإن أتى أحدكما قبل العمل بما يشبه دون الآخر يختلف : هل [ ص: 117 ] القول قوله مع يمينه وتثبت المساقاة ، أو تتحالفان وتتفاسخان قولان ، ويصدق مدعي الصحة قبل العمل وبعده ، فإن شرطت مكيلة والباقي بيننا وقلت : نصفان من غير تبدئة ، فقد اعترفت له بالأكثر فيصدق مدعي الحلال قبل العمل وبعده ويحلف قبل العمل ، وأما بعد العمل فإن كانت مساقاة مثله النصف فلا يمين ، أو أكثر حلف مدعي الصحة ، فإن نكل حلف العامل وأخذ الفضل ، وإن قلت : نصفين ، وقال : بل أبدأ بمكيلة ، فهو كالاختلاف في الثمن يحلف مدعي الفساد مع القيام وحده وتفسخ المساقاة ، وإذا قلت لي : نصف كذا ولك نصف كذا ، وقال : بل الجميع نصفان صدقت مع يمينك - وإن ادعيت الفساد - لأنك لم تقر ببيع شيء من ذلك النصف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية