الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
760 - ( 30 ) - حديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم }. أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وطوله ، والحاكم وصححه ، وقد أعله البخاري وقال : إنه غلط ، غلط فيه أسامة بن زيد ، فقال : عن الزهري ، عن أنس . حكاه الترمذي ، ورجح رواية الليث ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، عن جابر . ( تنبيه ) روى أبو داود في المراسيل والحاكم من حديث أنس أيضا قال : { مر النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره }. وهذا هو الذي أنكره البخاري على أسامة بن زيد ، وكذا أعله الدارقطني . ( تنبيه )

ورد ما يعارض ما تقدم من نفي الصلاة على الشهداء في عدة أحاديث ، فمنها :

حديث جابر قال : { فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال ، فقال رجل : رأيته عند تلك الشجيرات ، فجاء نحوه ، فلما رآه ، ورأى ما مثل به شهق وبكى ، فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ، ثم جيء بحمزة فصلى عليه }. الحديث . ورواه الحاكم ، وفي إسناده أبو حماد الحنفي [ ص: 237 ] وهو متروك ، وعن شداد بن الهاد ، رواه النسائي بلفظ : { أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه }. وفي الحديث : { أنه استشهد ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فحفظ من دعائه له : اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل في سبيلك }. وحمل البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة .

وعن عقبة بن عامر في البخاري وغيره { أنه صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين }. وحمل على الدعاء ; لأنها لو كان المراد بها صلاة الجنازة لما أخرها ، ويعكر على هذا التأويل قوله : صلاته على الميت ، وأجيب بأن التشبيه لا يستلزم التسوية من كل وجه ، فالمراد في الدعاء فقط ، وقال أبو نعيم الأصفهاني : يحتمل أن يكون هذا الحديث ناسخا لحديث جابر في قوله : ولم يصل عليهم ، فإن هذا الآخر من فعله ، انتهى .

وفي رواية ابن حبان : ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله ، وأطال الشافعي القول في الرد على من أثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ونقله البيهقي في المعرفة ، وقال ابن حزم : هو باطل بلا شك - يعني الصلاة عليهم - وأجاب بعضهم : بأن ذلك من الخصائص ، بدليل أنه أخر الصلاة عليهم هذه المدة الطويلة ثم إن الذين أجازوا الصلاة على الشهيد من الحنفية وغيرهم لا يجيزون تأخيرها بعد ثلاثة أيام فلا حجة لهم .

وفي الباب أيضا حديث ابن عباس ، رواه ابن إسحاق قال : حدثني من لا أتهم ، عن مقسم مولى ابن عباس ، عن ابن عباس قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه ، وكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم ، وعليه معهم ، حتى صلى عليه ثنتين [ ص: 238 ] وسبعين صلاة }. قال السهيلي : إن كان الذي أبهمه ابن إسحاق ، هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف ، وإلا فمجهول لا حجة فيه ، انتهى .

قلت : والحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في مقدمة مسلم عن شعبة أن . الحسن بن عمارة ، حدثه عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد }. فسألت الحكم فقال : لم يصل عليهم ، انتهى . لكن حديث ابن عباس ، روي من طرق أخرى ، منها : ما أخرجه الحاكم ، وابن ماجه والطبراني ، والبيهقي من طريق يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس مثله وأتم منه ، ويزيد فيه ضعف يسير .

وفي الباب أيضا عن أبي مالك الغفاري ، أخرجه أبو داود في المراسيل من طريقه وهو تابعي اسمه غزوان ، ولفظه : { أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد ، عشرة عشرة ، في كل عشرة حمزة ، حتى صلى عليه سبعين صلاة }. ورجاله ثقات ، وقد أعله الشافعي بأنه متدافع ; لأن الشهداء كانوا سبعين ، فإذا أتى بهم عشرة عشرة ، يكون قد صلى سبع صلوات ، فكيف يكون سبعين ، قال : وإن أراد التكبير فيكون ثمانيا وعشرين تكبيرة ، لا سبعين ، وأجيب أن المراد أنه صلى على سبعين نفسا وحمزة معهم كلهم ، فكأنه صلى عليه سبعين صلاة .

حديث : علي وعمار يأتي آخر الباب ، وكذلك أسماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية