الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس ، وأنها عرض حاضر ، [ ص: 200 ] يقسمها دولا بين أوليائه وأعدائه ، بخلاف الآخرة ، فإن عزها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا .

ثم ذكر حكمة أخرى ، وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه ، وذلك العلم الغيبي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب ، وإنما يترتب الثواب والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس .

ثم ذكر حكمة أخرى ، وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء ، فإنه يحب الشهداء من عباده ، وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها ، وقد اتخذهم لنفسه ، فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة .

وقوله : ( والله لا يحب الظالمين ) [ آل عمران : 140 ] ، تنبيه لطيف الموقع جدا على كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخذلوا عن نبيه يوم أحد فلم يشهدوه ولم يتخذ منهم شهداء ، لأنه لم يحبهم فأركسهم وردهم ليحرمهم ما خص به المؤمنين في ذلك اليوم ، وما أعطاه من استشهد منهم ، فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التي وفق لها أولياءه وحزبه .

ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم ، وهو تمحيص الذين آمنوا ، وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب ، ومن آفات النفوس ، وأيضا فإنه خلصهم ، ومحصهم من المنافقين ، فتميزوا منهم ، فحصل لهم تمحيصان : تمحيص من نفوسهم ، وتمحيص ممن كان يظهر أنه منهم وهو عدوهم .

ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم وعدوانهم ، ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه ، وإن هذا ممتنع بحيث ينكر على من ظنه وحسبه .

فقال : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ آل عمران : 142 ] ، أي ولما يقع ذلك منكم فيعلمه ، فإنه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة ، فيكون الجزاء على الواقع المعلوم ، لا على مجرد العلم ، فإن الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه ، ثم وبخهم على [ ص: 201 ] هزيمتهم من أمر كانوا يتمنونه ويودون لقاءه .

فقال : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) [ آل عمران : 143 ] .

قال ابن عباس : ولما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بدر من الكرامة رغبوا في الشهادة ، فتمنوا قتالا يستشهدون فيه ، فيلحقون إخوانهم ، فأراهم الله ذلك يوم أحد وسببه لهم ، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم ، فأنزل الله تعالى : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية