الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1306 حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة سمعت الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال نعم عذاب القبر قالت عائشة رضي الله عنها فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر زاد غندر عذاب القبر حق

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت الأشعث ) هو ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه ) في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ، عن أشعث : " سمعت أبي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن يهودية دخلت عليها ، فذكرت عذاب القبر ) وقع في رواية أبي وائل ، عن مسروق عند المصنف في الدعوات : دخلت عجوزان من عجز يهود المدينة ، فقالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم . وهو محمول على أن إحداهما تكلمت وأقرتها الأخرى على ذلك فنسبت القول إليهما مجازا ، والإفراد يحمل على المتكلمة . ولم أقف على اسم واحدة منهما . وزاد في رواية أبي وائل " فكذبتهما " ووقع عند مسلم من طريق ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : دخلت علي امرأة من اليهود وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور . قالت : فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنما يفتن يهود . قالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور . قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر . وبين هاتين الروايتين مخالفة ، لأن في هذه أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية ، وفي الأولى أنه أقرها . قال النووي تبعا للطحاوي وغيره : هما قصتان ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى ، ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يعلم عائشة ، فجاءت اليهودية مرة أخرى فذكرت لها ذلك ، فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار [ ص: 279 ] الأول ، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته . انتهى . وقال الكرماني : يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ سرا ، فلما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية أعلن به . انتهى . وكأنه لم يقف على رواية الزهري ، عن عروة التي ذكرناها عن صحيح مسلم ، وقد تقدم في " باب التعوذ من عذاب القبر " في الكسوف من طريق عمرة عن عائشة : أن يهودية جاءت تسألها ، فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر . فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعذب الناس في قبورهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك . ثم ركب ذات غداة مركبا فخسفت الشمس . فذكر الحديث ، وفي آخره : ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر . وفي هذا موافقة لرواية الزهري وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بذلك . وأصرح منه ما رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ، عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي ، عن عائشة : أن يهودية كانت تخدمها ، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية : وقاك الله عذاب القبر . قالت : فقلت : يا رسول الله ، هل للقبر عذاب ؟ قال : كذبت يهود ، لا عذاب دون يوم القيامة . ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته : أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن عذاب القبر حق . وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه . وقد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية وهي قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا وكذلك الآية الأخرى المتقدمة ، وهي قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا والجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان ، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون ، وإن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار ، فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين ، ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم ، فجزم به ، وحذر منه ، وبالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته وإرشادا ، فانتفى التعارض بحمد الله تعالى . وفيه دلالة على أن عذاب القبر ليس بخاص بهذه الأمة بخلاف المسألة ، ففيها اختلاف سيأتي ذكره آخر الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : نعم عذاب القبر ) كذا للأكثر ، زاد في رواية الحموي ، والمستملي : " حق " وليس بجيد ، لأن المصنف قال عقب هذه الطريق : زاد غندر : " عذاب القبر حق " ، فتبين أن لفظ : " حق " ليست في رواية عبدان عن أبيه ، عن شعبة ، وأنها ثابتة في رواية غندر ، عن شعبة وهو كذلك . وقد أخرج طريق غندر ، النسائي ، والإسماعيلي كذلك ، وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع قوله : " زاد غندر إلخ " في رواية أبي ذر وحده ، ووقع ذلك في بعض النسخ عقب حديث أسماء بنت أبي بكر وهو غلط .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية