الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1582 حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة قال عروة كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت وكانت الحمس يحتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عريانا وكان يفيض جماعة الناس من عرفات ويفيض الحمس من جمع قال وأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن هذه الآية نزلت في الحمس ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال كانوا يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عروة ) في رواية عبد الرزاق ، عن معمر " عن هشام بن عروة عن أبيه فذكره " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والحمس قريش وما ولدت ) زاد معمر " وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة " وقد تقدم في أثر مجاهد أن منهم أيضا غزوان وغيرهم ، وذكر إبراهيم الحربي في غريبه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم . وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قريشية لا جميع القبائل المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخبرني أبي ) القائل هو هشام بن عروة والموصول من الحديث هذا القدر في سبب نزول هذه الآية وسيأتي في تفسير البقرة من وجه آخر أتم من هذا . وقوله " فدفعوا إلى عرفات " في رواية الكشميهني " فرفعوا " بالراء ولمسلم من طريق أبي أسامة ، عن هشام " رجعوا إلى عرفات " والمعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها وقد تقدم في طريق جبير سبب امتناعهم من ذلك وتقدم الكلام على قصة الطواف عريانا في أوائل الصلاة وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى ( أفيضوا ) النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم . وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل عليه السلام ، وعنه المراد به الإمام ، وعن غيره آدم ، وقرئ في الشواذ : " الناسي " بكسر السين بوزن القاضي ، والأول أصح . نعم ، الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان ، قال : كنا وقوفا بعرفة ، فأتانا ابن مربع فقال : إني رسول رسول الله إليكم ، يقول لكم : كونوا على مشاعركم ، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم ، الحديث . ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله : من حيث أفاض الناس ، بل هو الأعم من ذلك ، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها . وأما الإتيان في الآية بقوله : ( ثم ) فقيل : هي بمعنى الواو ، وهذا اختيار الطحاوي ، وقيل : لقصد التأكيد ، لا لمحض الترتيب ، والمعنى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس ، لا من حيث كنتم تفيضون ، قال الزمخشري : وموقع ( ثم ) هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ، ثم لا تحسن إلى غير كريم . فتأتي ( ثم ) لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره ، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة ، فقال : ( ثم أفيضوا ) لتفاوت ما بين الإفاضتين ، وأن إحداهما صواب ، والأخرى خطأ ، قال الخطابي : تضمن قوله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [ ص: 605 ] الأمر بالوقوف بعرفة ، لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله ، وكذا قال ابن بطال . وزاد : وبين الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية