الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      شعبة : أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي ، سمع أبا صالح يقول : شهدت عليا وضع المصحف على رأسه ، حتى سمعت تقعقع الورق فقال : اللهم إني سألتهم ما فيه ، فمنعوني ، اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير أخلاقي ، فأبدلهم بي شرا مني ، وأبدلني بهم خيرا منهم ، ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء .

                                                                                      مجالد : عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي ، قال : لا تكرهوا إمرة معاوية ، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرءوس تندر عن كواهلها .

                                                                                      لما قتل أمير المؤمنين علي ; بايع أهل العراق ابنه الحسن ، وتجهزوا لقصد الشام في كتائب أمثال الجبال ، وكان الحسن سيدا كبير القدر يرى [ ص: 145 ] حقن الدماء ، ويكره الفتن ، ورأى من العراقيين ما يكره .

                                                                                      قال جرير بن حازم : بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه وأحبوه أكثر من أبيه .

                                                                                      وقال ابن شوذب : سار الحسن يطلب الشام ، وأقبل معاوية في أهل الشام ، فالتقوا ، فكره الحسن القتال ، وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من بعده ، فكان أصحاب الحسن يقولون له : يا عار المؤمنين ، فيقول : العار خير من النار .

                                                                                      وعن عوانة بن الحكم ، قال : سار الحسن حتى نزل المدائن ، وبعث على المقدمة قيس بن سعد في اثني عشر ألفا ، فبينا الحسن بالمدائن إذ صاح صائح ، ألا إن قيسا قد قتل . فاختبط الناس ، وانتهب الغوغاء سرادق الحسن ، حتى نازعوه بساطا تحته ، وطعنه خارجي من بني أسد بخنجر ، فقتلوا الخارجي ، فنزل الحسن القصر الأبيض ، وكاتب معاوية في الصلح .

                                                                                      وروى نحوا من هذا الشعبي وأبو إسحاق . وتوجع من تلك الضربة أشهرا ، وعوفي .

                                                                                      قال هلال بن خباب : قال الحسن بن علي : يا أهل الكوفة ! لو لم تذهل نفسي عليكم إلا لثلاث لذهلت ; لقتلكم أبي ، وطعنكم في فخذي ، وانتهابكم ثقلي .

                                                                                      قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن : إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين [ ص: 146 ] عظيمتين من المسلمين ثم إن معاوية أجاب إلى الصلح ، وسر بذلك ، ودخل هو والحسن الكوفة راكبين ، وتسلم معاوية الخلافة في آخر ربيع الآخر ، وسمي عام الجماعة لاجتماعهم على إمام ، وهو عام أحد وأربعين .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : بويع معاوية بالخلافة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين لما دخل الكوفة .

                                                                                      وقال أبو معشر : بايعه الحسن بأذرح في جمادى الأولى ، وهو عام الجماعة .

                                                                                      قال المدائني : أقبل معاوية إلى العراق في ستين ألفا ، واستخلف على الشام الضحاك بن قيس ، فلما بلغ الحسن أن معاوية عبر جسر منبج ، عقد لقيس بن سعد على اثني عشر ألفا فسار إلى مسكن وأقبل معاوية إلى الأخنونية في عشرة أيام معه القصاص يعظون ، ويحضون أهل الشام . فنزلوا بإزاء عسكر قيس ، وقدم بسر بن أبي أرطاة إليهم ، فكان بينهم مناوشة ، ثم تحاجزوا .

                                                                                      قال الزهري : عمل معاوية عامين ما يخرم عمل عمر ثم إنه بعد .

                                                                                      الأعمش : عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن سويد ، قال : صلى بنا معاوية في النخيلة الجمعة في الضحى ، ثم خطب وقال : ما قاتلنا لتصوموا ، [ ص: 147 ] ولا لتصلوا ، ولا لتحجوا ، أو تزكوا ، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلناكم لأتأمر عليكم ، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون .

                                                                                      السري بن إسماعيل ، عن الشعبي ; حدثني سفيان بن الليل ، قلت للحسن لما رجع إلى المدينة من الكوفة : يا مذل المؤمنين . قال : لا تقل ذلك ; فإني سمعت أبي يقول : لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية ، فعلمت أن أمر الله واقع ، فكرهت القتال .

                                                                                      السري تالف .

                                                                                      شعيب : عن الزهري ، عن القاسم بن محمد أن معاوية لما قدم المدينة حاجا ، دخل على عائشة ، فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولاها ، فقالت له : أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بأخي محمد . قال : صدقت . ثم وعظته ، وحضته على الاتباع ، فلما خرج ، اتكأ على ذكوان ، وقال : والله ما سمعت خطيبا - ليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبلغ من عائشة .

                                                                                      [ ص: 148 ] محمد بن سعد : حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثني علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه قالت : قدم معاوية ، فأرسل إلى عائشة أن أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشعره ، فأرسلت به معي أحمله ، حتى دخلت عليه ، فأخذ الأنبجانية ، فلبسها ، ودعا بماء فغسل الشعر ، فشربه ، وأفاض على جلده .

                                                                                      أبو بكر الهذلي : عن الشعبي ، قال : لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة ، تلقته قريش ، فقالوا : الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك ، فسكت حتى دخل المدينة ، وعلا المنبر ، فحمد الله ، وقال : أما بعد ، فإني والله وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها ، وإني لعالم بما في نفوسكم ، ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة ، ولقد أردت نفسي على عمل أبي بكر وعمر ، فلم أجدها تقوم بذلك ، ووجدتها عن عمل عمر أشد نفورا ، وحاولتها على مثل سنيات عثمان ، فأبت علي ، وأين مثل هؤلاء ; هيهات أن يدرك فضلهم ، غير أني سلكت طريقا لي فيه منفعة ، ولكم فيه مثل ذلك ، ولكل فيه مواكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة ، فإن لم تجدوني خيركم ، فأنا خير لكم ، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه ، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني ، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله ، فارضوا ببعضه ، فإنها ليست بقائبة قوبها ، وإن السيل إن جاء تترى - وإن قل - أغنى ، إياكم والفتنة ، [ ص: 149 ] فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة ، وتكدر النعمة ، وتورث الاستئصال ، وأستغفر الله لي ولكم . ثم نزل .

                                                                                      " القائبة " : البيضة ، " والقوب " : الفرخ ، يقال : قابت البيضة : إذا انفلقت عن الفرخ .

                                                                                      محمد بن بشر العبدي : حدثنا مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد مرفوعا : إذا رأيتم فلانا يخطب على منبري ، فاقتلوه .

                                                                                      رواه جندل بن والق عن محمد بن بشر ، فقال بدل " فلانا " : معاوية . وتابعه الوليد بن القاسم ، عن مجالد .

                                                                                      وقال حماد وجماعة : عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : إذا رأيتم معاوية على منبري ، فاقتلوه . .

                                                                                      الحكم بن ظهير - واه - عن عاصم ، عن زر عن عبد الله مرفوعا نحوه .

                                                                                      وجاء عن الحسن مرسلا .

                                                                                      وروي بإسناد مظلم ، عن جابر مرفوعا : إذا رأيتم معاوية يخطب [ ص: 150 ] على منبري ، فاقبلوه ، فإنه أمين مأمون . .

                                                                                      هذا كذب . ويقال : هو معاوية بن تابوه المنافق .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية