الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلفوا في المكاتب إذا مات وترك وفاء ، فقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن الزبير : ( تؤدى كتابته بعد موته ويعتق ) ، وهو قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة وعثمان البتي والثوري والحسن بن صالح ؛ وقالوا : ( إن فضل شيء فهو ميراث لورثته فإن لم يترك وفاء وترك ولدا ولدوا في كتابته سعوا فيما على أبيهم من النجوم ) .

وقال مالك والليث : ( إن ترك ولدا قد دخلوا في كتابته سعوا فيها على النجوم وعتق المكاتب وولده ، وإن لم يترك من دخل في كتابته فقد مات عبدا لا تؤدى كتابته من ماله وجميع ماله للمولى ) . وقال الشافعي : ( إذا مات وقد بقي عليه درهم فقد مات عبدا لا يلحقه عتق بعد ذلك ) . وروي عن ابن عمر : ( أن جميع ماله لسيده ولا تؤدى منه كتابته ) .

قال أبو بكر : لا تخلو الكتابة من أن تكون في معنى الأيمان المعقودة على شروط يبطلها موت المولى أو العبد أيهما كان ، مثل أن يقول : ( إن دخلت الدار فأنت حر ) ثم يموت المولى أو العبد فيبطل اليمين ولا يعتق بالشرط ، أو أن تكون في معنى عقود البياعات التي لا تبطلها الشروط ؛ فلما كان موت المولى لا يبطل الكتابة ويعتق بالأداء إلى الورثة وجب أن لا يبطله موت العبد أيضا ما دام الأداء ممكنا ، وهو أن يترك وفاء فتؤدى كتابته من ماله ويحكم بعتقه قبل الموت بلا فصل .

فإن قيل : لا يصح [ ص: 187 ] عتق الميت وقد علمنا أنه مات عبدا ؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، قيل له : إذا مات وترك وفاء فحكمه موقوف مراعى ، فإن أديت كتابته حكمنا بأنه كان حرا قبل الموت بلا فصل ، كما أن الميت لا يصح منه إيقاع عتق بعد الموت ثم إذا مات المولى فأدى المكاتب الكتابة حكمنا بعتق موقع من جهة الميت ويكون الولاء له ، وليس يمتنع في الأصول نظائر ذلك من كون الشيء مراعى على معنى متى وجد حكم بوقوعه بحال متقدمة مثل من جرح رجلا فيكون حكم جراحته مراعى ، فلو مات الجارح ثم مات المجروح من الجراحة حكمنا بأنه كان قاتلا يوم الجراحة مع استحالة وقوع القتل منه بعد موته ، وكما أأن رجلا لو حفر بئرا في طريق المسلمين ثم مات فوقعت فيها دابة لإنسان لحقه ضمانها وصار بمنزلة جنايته قبل الموت من بعض الوجوه ؛ فلو كان ترك عبدا فأعتقه الوارث ثم وقعت فيها دابة ضمن الوارث قيمة العبد وحكمنا في باب الضمان بأن الجناية كانت موجودة يوم الموت .

ولو أن رجلا مات وترك حملا فوضعته لأقل من سنتين بيوم ورثه ، وإن كان معلوما أنه كان نطفة وقت موته ولم يكن ولدا ثم قد حكمنا له بحكم الولد حين وضعته . ولو أن رجلا مات وترك ابنين وألف درهم وعليه دين ألف درهم أنهما لا يرثانه ، فإن مات أحد الابنين عن ابن ثم أبرأ الغريم من الدين أخذ ابن الميت منها حصته ميراثا عن أبيه ؛ ومعلوم أن الابن لم يكن مالكا له يوم الموت ولكنه جعل في حكم المالك لتقدم سببه ، كذلك المكاتب يحكم بعتقه عند الأداء قبل الموت بلا فصل ، ألا ترى أن المقتول خطأ لا تجب ديته إلا بعد الموت وهو لا يملك بعد الموت شيئا ؟ فجعلت الدية في حكم ما هو مالكه في باب كونها ميراثا لورثته وأنه يقضى منها ديته وتنفذ منها وصاياه

التالي السابق


الخدمات العلمية