الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى - : ولا يغتب بعضكم بعضا ؛ حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، أنه قيل : يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته .

وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا قال : غير مسدد تعني قصيرة فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت : وحكيت له إنسانا آخر فقال : ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا .

وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن علي قال : حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : جاء الأسلمي إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أربع مرات أنه أصاب امرأة حراما ؛ وذكر الحديث إلى قوله : فما تريد بهذا القول ؟ قال : أريد أن تطهرني فأمر به فرجم ؛ فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تردعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال : أين فلان وفلان ؟ فقالا : نحن ذان يا رسول الله قال : انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا : يا نبي الله من يأكل من هذا ؟ قال : فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه ، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله [ ص: 291 ] قال : حدثنا يزيد بن مرة سنة ثلاث عشرة ومائتين قال : حدثنا ابن عون أن ناسا أتوا ابن سيرين فقالوا : إنا ننال منك فاجعلنا في حل فقال : لا أحل لكم ما حرم الله عليكم .

وروى الربيع بن صبيح أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد إني أرى أمرا أكرهه قال : وما ذاك يا ابن أخي ؟ قال : أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك ، فقال : يا ابن أخي لا يكبرن هذا عليك ، أخبرك بما هو أعجب ؟ قال : وما ذاك يا عم ؟ قال : " أطمعت نفسي في جوار الرحمن وحلول الجنان والنجاة من النيران ومرافقة الأنبياء ولم أطمع نفسي في السلامة من الناس ، إنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم الذي خلقهم ، فإذا لم يسلم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم " .

حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا داود بن المجبر قال : حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن قال : حدثني خالد بن يزيد اليمامي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته وقوله تعالى : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه تأكيد لتقبيح الغيبة . والزجر عنه من وجوه . أحدها : أن لحم الإنسان محرم الأكل ، فكذلك الغيبة .

والثاني : أن النفوس تعاف أكل لحم الإنسان من جهة الطبع ، فلتكن الغيبة عندكم بمنزلته في الكراهة ولزوم اجتنابه من جهة موجب العقل ؛ إذ كانت دواعي العقل أحق بالاتباع من دواعي الطبع ، ولم يقتصر على ذكر الإنسان الميت حتى جعله أخاه ، وهذا أبلغ ما يكون في التقبيح والزجر ، فهذا كله إنما هو في المسلم الذي ظاهره العدالة ، ولم يظهر منه ما يوجب تفسيقه كما يجب علينا تكذيب قاذفه بذلك ، فإن كان المقذوف بذلك مهتوكا فاسقا فإن ذكر ما فيه من الأفعال القبيحة غير محظور ، كما لا يجب على سامعه النكير على قائله .

ووصفه بما يكرهه على ضربين . أحدهما : ذكر أفعاله القبيحة . والآخر : وصف خلقته ، وإن كان مشينا على جهة الاحتقار له وتصغيره لا على جهة ذمه بها ولا عيب صانعها على نحو ما روينا عن الحسن في وصفه الحجاج بقبح الخلقة ، وقد يجوز وصف قوم في الجملة ببعض ما إذا وصف به إنسان بعينه كان غيبة محظورة ، ثم لا يكون غيبة إذا وصف به الجملة على وجه التعريف .

كما روى أبو حازم عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني تزوجت امرأة قال : هل نظرت إليها ؟ فإن في أعين الأنصار شيئا ، فإنه لم يكن غيبة ؛ وجعل وصف عائشة الرجل بالقصر في الحديث الذي قدمنا غيبة ؛ لأن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه [ ص: 292 ] التعريف لا على جهة العيب ، وهو كما روي عنه أنه قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه صغار العيون فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة فلم يكن ذلك غيبة ، وإنما كان تعريفا لهم صفة القوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية