الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرجو منكم نصائح أتخطى بها الفوضى التي تعصف بحياتي

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب في الثانية والعشرين من عمري، مررت بفترات صعبة كثيرة في حياتي، مما تسبب لي بحالة اكتئاب تلاحقني كلما أتخلص منها، وبسببها لم أتخرج من الجامعة بعد، علماً بأن دفعتي تخرجت وأنا ما زلت في السنة الأولي من الدراسة بسبب التأجيل، والإحساس بالنقص، والاكتئاب الذي يأتي ويذهب.

الآن أنا تائب ولا أعرف ماذا أفعل؟ لدي تفكير سلبي يلاحقني كلما التزمت وبدأت حياة جديدة مع نفسي، وأنا -ولله الحمد- ما زلت محافظاً على صلواتي الخمس، ولكن بسبب الفوضى في حياتي أحيانا أؤخرها أو أجمع صلاتين مع بعض.. وهكذا.

أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء، وأتمنى أن أجد عندكم ما يمنحني الطاقة لتخطي الفوضى في حياتي، والأفكار السلبية، دمتم بخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ منذر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونحمد الله إليك عافيتك، وعقلك وقبل هذا، وذاك دينك وإسلامك، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه إنه جواد كريم بر رحيم.

الأخ الكريم: من منا لا يمر بمصاعب في حياته؟ من منا لا يبتلى في نفسه أو أهله أو ولده أو بلده؟ من منا لا يمر بمنحنيات الحياة وتعرجاتها الشديدة؟ كلنا -أخي- ذلك الرجل، لكن التعاطي مع المصاعب هو الفارق بين المؤمن وغيره، بين الجاد والكسول، بين الإيجابي والسلبي، بين من يريد النهوض ومن يعشق دونية الحفر، هذا الأخير -أخي الكريم- دائم الضجر، دائم السخط، لا يتقدم أبداً، ولا يحب أن يتعب نفسه لأجل النهوض من جديد، فهذا ميت في جلد حي.

أما الآخر -أخي الكريم- فمأجور، ومع الأجر هو دائم الانتقال والترقي، وهو يعلم أنه كلما عظم البلاء عليه زاد الأجر، لذا ارتفعت عنده الهمة، فلا تجده إلا محلقاً في آفاق جديدة، دائم البشر بأقدار الله، وإن كانت مؤلمة! ولم لا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أعطانا مفتاح السعادة تلك حين قال: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم، وفي مسند أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً للمؤمن! لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له).

كذلك في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته).

هذه الأحاديث -أخي الكريم- لا يتعامل معها صاحب هم أو كرب أو من يمر بصعوبات في حياته إلا وجد النور يتسلل إلى قلبه وعقله، فلا تجده إلا واقفاً ثابتاً.

أنت -أخي الكريم- لا زلت ابن العشرين من عمرك، وحتى لو تأخرت مراحل الدراسة عنك أعواماً، ورحلت عنك بعض أيامها فأنت -والحمد لله- قادر على النهوض، قادر على البداية، قادر ما دمت بالله مؤمناً، وعليه متوكلاً، وقد أخذت بالأسباب كافة، وستجد حين تفعل ذلك كيف ستتغير حياتك وتبصر النور الذي فقدته زمناً.

أخي الكريم: ثلاثة لا بد أن تبتعد عنها، ونصائح يجب أن تأخذ بها:
أما الثلاثة فهي:
1-الأفكار السلبية.
2- التفكير بآلام ماضية، والعيش في ذكرياتها المؤلمة.
3-المقارنة مع الآخرين.

ابدأ حياتك الجديدة بالتفكير الإيجابي: فأنت -والحمد لله- محافظ على الصلاة، وغيرك قد ضيع بوصلته، فلا دنيا ربح ولا آخرة حصل، فاحمد الله على العافية، وأنت -والحمد لله- بالنسبة لغيرك في عافية، فأمل كل كفيف الآن أن يبصر مثلك، وأمل كل أعرج أو مشلول أن يسير بسيرك، وأمل كل مريض بالسرطان أن يعيش يوماً بلا ألم، والقائمة -أخي- كثيرة.

احمد الله على العافية، وفكر في الأمور الإيجابية، ومنها أنك بدأت النهوض مبكراً، وغيرك بدأ يتحدث حديثك، وهو ابن الخمسين من عمره، فاحمد الله على ما أنت عليه.

أخي الكريم: إننا ننصحك بما يلي:
1- اكتب منهجاً أو ضع خريطة طريق للدماغ لكي يسير عليها، ضع أهدافاً مرحلية تقود إلى هدف كلي، واحذر من وضع أهداف مثالية أو أكبر بكثير من إمكانيتك، حتى لا تصاب بالملل أو التعب أو الانكسار.

قسم الأهداف المرحلية على أزمنة محددة، وكلما أنجزت هدفاً كافئ نفسك بشيء يفرحك، مما أحل الله تعالى، وإذا لم تحقق فادرس الأسباب، واعرف أين الخلل، وابدأ بمعالجته، فإن كان الخلل في الخطة المثالية فاجعلها واقعية، وإن كان في عدم الالتزام بالخطة فألزم نفسك وعاقبها عند التهاون.

2- كن واثقاً في نفسك، وفي قدراتك العلمية، وفي نشاطك وذكائك، واحذر أن يثبطك الشيطان أو يقعدك.

3- أوجد صحبة صالحة تعينك على الطاعة وتعينك على إتمام خطتك، والخير كثير والصالحون كثر، المهم أن تعرف من تختار ليكون رفيق دربك.

4- أوجد لك مساحة من الترفيه عن النفس بممارسة الرياضة أو الخروج المباح مع الأصحاب، المهم أن تمزج حياتك بملح الترفيه حتى لا تمل النفس.

5- اجعل لك ورداً ثابتاً من قراءة القرآن، وصلاة الليل، والأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء.

6- اقرأ في سير العلماء والعباقرة، وكيف أن بعضهم بدأ طلب العلم كبيراً ثم صار إماماً في بابه، وكيف أن بعضهم ظل ينتقل من فشل إلى فشل حتى صار مخترعاً، والقصص في هذه كثيرة.

7- احتسب كل جهد تقوم به في المذاكرة أو في الصبر على البلاء أو في غيره، احتسب ذلك كله عند الله، وستجد العاقبة لك بأمر الله.

أخي: إننا على ثقة بأن من كتب تلك الرسالة بهذه الحرارة هو شخص قوي الإرادة، لكن كانت البارحة مغيبة، أما اليوم فقد ولدت من جديد، وستتحرك بعون الله لتكون كما تحب، وكما نحب.

إننا نرجو أن تراسلنا كلما أنجزت هدفاً، وأن تخبرنا بصالح ما أنت عليه، ونحن ندعو الله لك أن يرزقك صلاح الدنيا والآخرة، وأن يتم لك نهوضك وأن يثبتك على الحق، إنه جواد كريم.

بارك الله فيك، ونحن في انتظار رسائلك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً