الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس أن الله لا يحبني لأنه لا يستجيب دعائي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل بعمر 35 سنة، عشت في عائلة التزامها جيد، وكغيري من كثير من الشباب اليافع كنت طائشاً، ومفرطاً في الصلوات، ولا أستطيع أن أغض بصري، إلى أن بلغت الثلاثين وتزوجت بزميلة لي في المستشفى الذي كنت أعمل فيه، ولما جاء خبر حمل زوجتي بتوأم أكرمني الله بالتوبة والعودة إليه، فأصبحت محافظاً على الفرائض، وغض البصر.

مع مرور الوقت ازددت تقرباً إلى الله، فأصبحت أقرأ القرآن كل يوم، وأحافظ على السنن، وبدأت بقضاء الفرائض القديمة، والصدقات ومساعدة الآخرين ما استطعت و-الحمد والفضل لله وحده-.

مشكلتي: أني غير موفق، ودائماً ما تحدث لي المشاكل، بداية من ضيق الرزق، والمرض، والمشاكل مع الأهل والزوجة، والله ابتلاني بطفلة لديها ضمور مخيخي -والحمد لله-، وقد جاءتني فرصة عمل جيدة، وما هي إلا شهور قليلة حتى حدثت مشاكل وعدت إلى وضعي القديم.

أحس أنه ليس لي دعوة مستجابة وهذا ما يؤلمني، وأن الله لا يحبني، وأحاول جهدي في زيادة طاعاتي، وآخرها بدأت بحفظ القرآن، ولكن كما قلت في عنوان الاستشارة، كلما زاد التزامي زاد ابتلائي ومصائبي، حتى أصدقائي تخلوا عني، وأصبحت معزولاً.

صرت أشك في موضوع السحر والحسد، ورقيت نفسي وعائلتي لفترة، ولكن لا فائدة، أعلم أن أفضل الرزق هو الالتزام والطاعات، والله أكرمنا بنعم لا تعد ولا تحصى، وأن الله مع الصابرين، لكن الأمور أصبحت ضيقة جداً.

لدي التزامات عائلية لم أعد قادراً على تأديتها، وبنفس الوقت أرى زملائي بنفس المهنة موفقون، ورزقهم وفير، -بارك الله لهم- رغم أن التزامهم ضعيف، ويستخدمون أساليب غير مشروعة للكسب.

أرجو النصح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن ييسّر لك كل عسير، وأن يُغنيك من فضله، ويصرف عنك وعن أسرتك كل داءٍ وبلاءٍ وشرٍّ وأذى.

نصيحتنا لك -أيها الحبيب- تتلخص في نقاط:

أولًا: احرص على أن تُحسّن علاقتك بالله تعالى، فإن تقوى الله تعالى من أعظم الأسباب لتيسير الأمور وجلب الأرزاق، فقد قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا)، وقال سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب).

ثانيًا: أكثِرْ من ذكر الله تعالى والاستغفار، فإن الاستغفار سببٌ أكيد لجلب الأرزاق؛ لأنه يكونُ سببًا لمحو الله تعالى ذنوب الإنسان، والذنوب هي أعظم حائل ومانع بين الإنسان وبين رزقه، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبُه).

ثالثًا: نوصيك بحُسن التوكُّل على الله والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه، وأن تعلم أنه لا يستطيع أحد أن يضرّك بشيءٍ إلَّا بشيءٍ قد كتبه الله وأذِنَ به، أمَّا غير ذلك فلا يقدر أحد على نفعك ولا على ضرِّك.

رابعًا: ننصحك -أيها الحبيب- بأن تجتهد في الأخذ بالأسباب المشروعة لأرزاقك، وبعد هذه الأسباب ينبغي أن تكون راضيًا بما قدّره الله تعالى وكتبه لك، واحذر من أن يستفزّك هذا الحال الذي أنت فيه من قلَّة الرزق أن تقع في الحرام، وأن تبحث عن رزقك بالوسائل التي حرَّمها الله، فما عند الله تعالى من الرزق لا يُنال بمعصية الله، فما قد كتبه الله تعالى لك ستصل إليه، فاصبر، وأحسن الطلب لهذا الرزق، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن روح القدس -يعني جبريل- نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).

هذا الطلب الجميل المؤدَّب هو الاقتصار على السبب المباح الجائز، أمَّا السبب المحرّم -السبب غير المشروع- فإنه لن يجلب لك رزقًا لم يكتبه الله، ولكنّه استعجالٌ فقط ووقوعٌ في الإثم.

لا تنخدع بما تراه من مظاهر زائفة كاذبة في مَن يرتكبون ما حرَّم الله تعالى، فقد قال الله تعالى في كتابه: (قل لا يستوي الخبيث ولا الطيب ولو أعجبك كثرةُ الخبيث)، واعلم أن هذه الدنيا التي نحن فيها دارُ ابتلاء وامتحان، الله تعالى خلقنا فيها ليبتلينا، فيرى صبرنا، وتحمُّلنا، ووقوفنا عند حدوده تعالى، وإلَّا فكل شيءٍ قد كُتبَ قبل أن نخرجَ نحن إلى هذه الدنيا.

ذكّر نفسك بهذه المعاني ستجد -بعون الله تعالى- الراحة والطمأنينة والسكينة.

أمَّا ما ذكرته من الرقية الشرعية؛ فهي أذكارٌ وأدعية، تنفع الإنسان ممَّا نزل به وممَّا لم ينزل به، فالإكثار من الأذكار والتحرُّز بها والتحفُّظ بها أمرٌ مطلوب، لكن لا ينبغي أبدًا أن تفتح على نفسك باب الأوهام، أنك مُصابٌ بالسحر أو بالحسد أو غير ذلك؛ فإن هذه الأوهام تزيد النفس ضعفًا إلى ضعفها، فأحسِنْ التوكل والاعتماد على الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً