الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيبدو من خلال السؤال أن السائلة -عافاها الله تعالى- ممن ابتلي بالوسوسة الشديدة في النطق بالتكبير والقراءة في الصلاة. والذي ننصحها به هو أن تتجاهل تلك الوساوس وتعرض عنها، ولتعلم أن أحكام التجويد مثل الغنات والمدود وغير ذلك من محسنات القراءة لا تبطل الصلاة بتركه، فإذا قامت إلى الصلاة فلتستعذ بالله تعالى بعد أن تكبر ثم تقرأ كالمعتاد مع مراعاة أحكام التجويد من مدود وغيرها دون إفراط ولا تفريط ولا تكرير ولا إعادة، وإذا وسوس لها الشيطان أن في نطقها خللا فلتعرض عنه ولا تعد شيئا من ذلك لأنه لا طائل من ورائه، ثم إن مد الياء من الضالين يعتبر من المد الطبيعي وصاحب الذوق السليم يأتي به تلقائيا وعليه فلا تلتفت إلى ما يخيل إليها من أنها لم تأت به ،هذا عن الفقرة 1،2 من السؤال.
أما عن الفقرة -3: فليس الجهر بالقراءة في أوقات السر هو الحل لمشكلة الوسواس ، وقد رخص فيه بعض أهل العلم لأجل دفع الوسواس.
ففي مجموع الفتاوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:ولا حرج في رفع صوتك بالقراءة حتى تسمعي نفسك وتحاربي الوسوسة بذلك في الصلاة السرية. انتهى.
لكن العلاج الأهم لمثل هذه الحالة هو الإعراض وعدم الالتفات إلى الوسوسة، فإنها من مصائد الشيطان ومكايده لا سيما إن كانت في مخارج الحروف، كما سيأتي.
وعن الفقرة -5 : من السؤال فإذا تحققت النية عند الدخول في الصلاة فلا يضر الذهول عنها، لأنه لا يشترط استدامة ذكرها ، وإنما يشترط استصحاب حكمها بأن لا ينوي المصلي قطعها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 142307، فلتتفهم السائلة هذا ولتهون على نفسها ولا تكلفها ما لم تكلف به، وليكن تركيزها على تدبر معاني القرآن واستشعار الخشوع في الصلاة بدلا مما تقوم به من تكرار الألفاظ والقراءة، فقد ذكر العلماء أن الوسوسة في مخارج الحروف من مصائد الشيطان كما اعتبروا تركيز المصلي على مخارج الحروف وتعمقه في النطق بالتكبير، وإغفال تفهم القرآن والاتعاظ به من غرور الشيطان.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم : قال أبو الفرج ابن الجوزي : قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول : الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب قال : ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده، والمراد تحقيق الحرف حسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس .انتهى.
وفي فتاوى عليش جوابا لسؤال جاء فيه : وَهَلْ الِاسْتِنْكَاحُ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ كَالِاسْتِنْكَاحِ فِي جَمِيعِهَا . فَكان مما أجاب به : سَمِعَ أَشْهَبَ مَالِكًا يَقُولُ وَمَنْ شَكَّ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كَثُرَ هَذَا عَلَيْهِ لَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلْيَقْرَأْ وَكَذَا سَائِرُ مَا شَكَّ فِيهِ. انتهى.
وعن السؤال -6 : يجب قضاء الصلوات الفائتة بالترتيب عند الكثير من أهل العلم، وقد سبق بيان مذاهبهم في الفتوى رقم : 96811، لكن الموسوس لا يجب عليه قضاء ما وسوس له الشيطان في صحته.
وفيما يخص السؤال -7 : فإن الشك المستنكح كما عرفه أهل العلم هو أن يكثر على المصلي بحيث يعتريه كل يوم ولو مرة ، وسواء كان في النية أوالتكبير أو القراءة أوعدد الركعات أو السجود أو غير ذلك. وحكمه الإعراض عنه وعدم الإصلاح والبناء على الأكثر.
ففي فتاوى عليش جوابا لسؤال جاء فيه : مَا قَوْلُكُمْ ْ فِي ضَابِطِ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ وَفِي حُكْمِهِ وَهَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَإِذَا اُسْتُنْكِحَ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ثُمَّ ابْتَدَأَهُ فِي رُكْنٍ آخَرَ أَوْ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَهَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِمَا اُسْتُنْكِحَ فِيهِ وَيَبْنِي فِيهِمَا عَلَى الْأَكْثَرِ ...فأجاب: ضَابِطُ اسْتِنْكَاحِ الشَّكِّ إتْيَانُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ إتْيَانِهِ أَوْاخْتَلَفَتْ كَأَنْ يَأْتِيَهُ يَوْمًا فِي نِيَّتِهِ وَيَوْمًا فِي تَكْبِيرَةِ إحْرَامِهِ وَيَوْمًا فِي الْفَاتِحَةِ وَيَوْمًا فِي الرُّكُوعِ وَيَوْمًا فِي السُّجُودِ وَيَوْمًا فِي السَّلَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَتَاهُ يَوْمًا وَفَارَقَهُ يَوْمًا فَلَيْسَ اسْتِنْكَاحًا وَحُكْمُهُ وُجُوبُ طَرْحِهِ, وَاللَّهْوُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِئَلَّا يُعْنِتَهُ, وَيَسْتَرْسِلُ مَعَهُ حَتَّى لِلْإِيمَانِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ كَثِيرًا فِي كَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَيُنْدَبُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ .انتهى
والذي يظهر من خلال السؤال أن السائلة ممن يعاني من الشكوك الكثيرة في النطق بالتكبير، والقراءة وقد سبق التحذير من الاسترسال في ذلك،أما إن لم تكن تكثرعليها الشكوك في عدد الركعات أو السجود أوغيرهما ، ثم حصل شيء من ذلك فيجب عليها البناء على الأقل عند جمهور العلماء وليس على ما ترجح لديها كما سبق بيانه في الفتوى رقم :113679.
وعن الفقرة -8 : فإن صاحب الوسواس والشكوك الكثيرة، لا يجب عليه قضاء ما وسوس له الشيطان في صحته، وإن لزم القضاء في حالات أخرى فيجب كل يوم بقدر الطاقة بحيث لا يترتب عليه ضرر في البدن أو المعيشة كما سبق بيانه في الفتوى رقم :65077، والفتوى رقم :93959.
أما عن الفقرة -9 : فإن هذا كله ناتج عن الاسترسال في الوسوسة ، وعدم الإعراض عنها ، كما أن التركيز على إخراج الحروف وإهمال الخشوع والحضور في الصلاة من مصائد الشيطان وغروره فلتتنبه لذلك ولتتجنبه ، وما ذكرت من عدم تركيزها في الصلاة بسبب انشغالها بسماع أهلها من عدمه هو من السرحان في الصلاة الانشغال بما ليس منها ، فيما يبدو وقد سبق أن بينا حكم السرحان في الصلاة وما يترتب عليه، في الفتوى: 6598، ولا يظهر فيه معنى الرياء لأن الرياء هو تحسين العبادة لما يرى من نظر الغير إليه ، ولبيان متى تجهر المرأة في الصلاة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم :6520.
وفيما يخص الفقرة الأخيرة -10 : فإن هذا هو المطلوب فإن قراءة الفاتحة لا يشرع تكرارها في الصلاة وإعادة الموسوس لها لأجل الإصلاح لا يزيده إلا وسوسة وشكا.
ففي فتاوى نور على الدرب للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله جوابا لسؤال جاء فيه : كيف يمكن الخلاص من الوساوس في الطهارة في كل شيء والوسواس في الوضوء والصلاة . أجاب رحمه الله تعالى: التخلص من ذلك يكون بأمرين الأمر الأول الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإن الشيطان يوسوس في صدور الناس ويشكك في أمور دينهم بل حتى في غير أمور الدين يتسلط على الإنسان حتى يبقى الإنسان دائماً ليس على يقين من أمره فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. الأمر الثاني أن يعرض عن هذا بقلبه ولا يلتفت إليه وكأنه لم يكن وبذلك يزول عنه هذا الوسواس الذي يصيب كثيراً من الناس وعليه فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولينته وليعرض عن هذا نهائياً حتى لو فرض أن الرجل في صلاته قلق وقال لعلي نقصت ركعة أو لعلي لم أكبر تكبيرة الإحرام أو لم أقرأ الفاتحة وما أشبه هذا فلا يلتفت لهذا إطلاقاً وكأن شيئاً لم يكن وحينئذٍ يزول عنه بإذن الله.انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم :73810.
والله أعلم.