فصل مبدأ التوبة ومنتهاها
فمبدؤها الرجوع إلى الله بسلوك صراطه المستقيم الذي نصبه لعباده ، موصلا إلى رضوانه ، وأمرهم بسلوكه بقوله تعالى : والتوبة لها مبدأ ومنتهى ، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل وبقوله : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وبقوله : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد .
ونهايتها الرجوع إليه في المعاد ، وسلوك صراطه الذي نصبه موصلا إلى جنته ، فمن رجع إلى الله في هذه الدار بالتوبة رجع إليه في المعاد بالثواب ، وهذا هو أحد التأويلات في قوله تعالى ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا قال البغوي وغيره : يتوب إلى الله متابا يعود إليه بعد الموت ، متابا حسنا يفضل على غيره فالتوبة الأولى - وهي قوله : ومن تاب - رجوع عن الشرك ، والثانية : رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة .
[ ص: 321 ] والتأويل الثاني : أن والمعنى : ومن الجزاء متضمن معنى الأوامر ، فليجعل توبته إلى الله وحده ، ولوجهه خالصا ، لا لغيره . عزم على التوبة وأرادها ،
التأويل الثالث : أن المراد لازم هذا المعنى ، وهو إشعار التائب وإعلامه بمن تاب إليه ، ورجع إليه ، والمعنى : ورجوعه إلى من ؟ فإنها إلى الله لا إلى غيره . فليعلم توبته إلى من ؟
ونظير هذا - على أحد التأويلين - قوله تعالى ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته أي اعلم ما يترتب على من عصى أوامره ولم يبلغ رسالته .
والتأويل الرابع : أن ثم إذا قوي العزم وصار جازما وجد به فعل التوبة ، فالتوبة الأولى بالعزم والقصد لفعلها ، والثانية بنفس إيقاع التوبة وإيجادها ، والمعنى : فمن تاب إلى الله قصدا ونية وعزما ، فتوبته إلى الله عملا وفعلا ، وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم التوبة تكون أولا بالقصد والعزم على فعلها ، . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه