فصل منزلة التوبة
فإذا صح هذا المقام ، ونزل العبد في هذه المنزلة ، أشرف منها على
nindex.php?page=treesubj&link=29411_19703_19704مقام التوبة ; لأنه بالمحاسبة قد تميز عنده ما له مما عليه ، فليجمع همته وعزمه على النزول فيه والتشمير إليه إلى الممات .
ومنزل التوبة أول المنازل ، وأوسطها ، وآخرها ، فلا يفارقه العبد السالك ، ولا يزال فيه إلى الممات ، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به ، واستصحبه معه ونزل به ، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ، وحاجته إليها في النهاية ضرورية ، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك ، وقد قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون وهذه الآية في سورة مدنية ، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه ، بعد إيمانهم وصبرهم ، وهجرتهم وجهادهم ، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه ، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي ، إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح ، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون ، جعلنا الله منهم .
قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون قسم العباد إلى تائب وظالم ، وما ثم قسم ثالث البتة ، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب ، ولا أظلم منه ، لجهله بربه وبحقه ، وبعيب نفسه وآفات أعماله ، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980166يا أيها الناس ، توبوا إلى الله ، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وكان أصحابه يعدون له في
[ ص: 197 ] المجلس الواحد قبل أن يقوم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980167رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور " مائة مرة ، وما صلى صلاة قط بعد إذ أنزلت عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها ، إلا قال فيها
nindex.php?page=hadith&LINKID=980168سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980140لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .
فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وحقوقه وعظمته ، وما يستحقه جلاله من العبودية ، وأعرفهم بالعبودية وحقوقها وأقومهم بها .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوْبَةِ
فَإِذَا صَحَّ هَذَا الْمَقَامُ ، وَنَزَلَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ ، أَشْرَفَ مِنْهَا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29411_19703_19704مَقَامِ التَّوْبَةِ ; لِأَنَّهُ بِالْمُحَاسَبَةِ قَدْ تَمَيَّزَ عِنْدَهُ مَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ ، فَلْيَجْمَعْ هِمَّتَهُ وَعَزْمَهُ عَلَى النُّزُولِ فِيهِ وَالتَّشْمِيرِ إِلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ .
وَمَنْزِلُ التَّوْبَةِ أَوَّلُ الْمَنَازِلِ ، وَأَوْسَطُهَا ، وَآخِرُهَا ، فَلَا يُفَارِقُهُ الْعَبْدُ السَّالِكُ ، وَلَا يَزَالُ فِيهِ إِلَى الْمَمَاتِ ، وَإِنِ ارْتَحَلَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ ارْتَحَلَ بِهِ ، وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ وَنَزَلَ بِهِ ، فَالتَّوْبَةُ هِيَ بِدَايَةُ الْعَبْدِ وَنِهَايَتُهُ ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهَا فِي النِّهَايَةِ ضَرُورِيَّةٌ ، كَمَا أَنَّ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا فِي الْبِدَايَةِ كَذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ ، خَاطَبَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَخِيَارَ خَلْقِهِ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيْهِ ، بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَصَبْرِهِمْ ، وَهِجْرَتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ ، ثُمَّ عَلَّقَ الْفَلَاحَ بِالتَّوْبَةِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ ، وَأَتَى بِأَدَاةِ لَعَلَّ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّرَجِّي ، إِيذَانًا بِأَنَّكُمْ إِذَا تُبْتُمْ كُنْتُمْ عَلَى رَجَاءِ الْفَلَاحِ ، فَلَا يَرْجُو الْفَلَاحَ إِلَّا التَّائِبُونَ ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ .
قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قَسَّمَ الْعِبَادَ إِلَى تَائِبٍ وَظَالِمٍ ، وَمَا ثَمَّ قَسْمٌ ثَالِثٌ الْبَتَّةَ ، وَأَوْقَعَ اسْمَ الظَّالِمِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ ، وَلَا أَظْلَمَ مِنْهُ ، لِجَهْلِهِ بِرَبِّهِ وَبِحَقِّهِ ، وَبِعَيْبِ نَفْسِهِ وَآفَاتِ أَعْمَالِهِ ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980166يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَعُدُّونَ لَهُ فِي
[ ص: 197 ] الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980167رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ " مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَمَا صَلَّى صَلَاةً قَطُّ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَى آخِرِهَا ، إِلَّا قَالَ فِيهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=980168سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980140لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ .
فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى أَعْلَمِ الْخَلْقِ بِاللَّهِ وَحُقُوقِهِ وَعَظْمَتِهِ ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ جَلَالُهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَحُقُوقِهَا وَأَقْوَمِهِمْ بِهَا .