فصل المرتبة السادسة مرتبة البيان العام
وهو
nindex.php?page=treesubj&link=32103_29411تبيين الحق وتمييزه من الباطل بأدلته وشواهده وأعلامه ، بحيث يصير مشهودا للقلب ، كشهود العين للمرئيات .
وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه ، التي لا يعذب أحدا ولا يضله إلا بعد
[ ص: 66 ] وصوله إليها ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون فهذا الإضلال عقوبة منه لهم ، حين بين لهم فلم يقبلوا ما بينه لهم ، ولم يعملوا به ، فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى ، وما أضل الله سبحانه أحدا قط إلا بعد هذا البيان .
وإذا عرفت هذا عرفت سر القدر ، وزالت عنك شكوك كثيرة ، وشبهات في هذا الباب ، وعلمت حكمة الله في إضلاله من يضله من عباده ، والقرآن يصرح بهذا في غير موضع ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فالأول : كفر عناد ، والثاني : كفر طبع ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون فعاقبهم على ترك الإيمان به حين تيقنوه وتحققوه ، بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم فلم يهتدوا له .
فتأمل هذا الموضع حق التأمل ، فإنه موضع عظيم .
وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فهذا هدى بعد البيان والدلالة ، وهو شرط لا موجب ، فإنه إن لم يقترن به هدى آخر بعده لم يحصل به كمال الاهتداء ، وهو هدى التوفيق والإلهام .
وهذا البيان نوعان : بيان بالآيات المسموعة المتلوة ، وبيان بالآيات المشهودة المرئية ، وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله وأسمائه وصفاته وكماله ، وصدق ما أخبرت به رسله عنه ، ولهذا يدعو عباده بآياته المتلوة إلى التفكر في آياته المشهودة ويحضهم على التفكير في هذه وهذه ، وهذا البيان هو الذي بعثت به الرسل ، وجعل إليهم وإلى العلماء بعدهم ، وبعد ذلك يضل الله من يشاء ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم فالرسل تبين ، والله هو الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء بعزته وحكمته .
فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ مَرْتَبَةُ الْبَيَانِ الْعَامِّ
وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=32103_29411تَبْيِينُ الْحَقِّ وَتَمْيِيزُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِأَدِلَّتِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَأَعْلَامِهِ ، بِحَيْثُ يَصِيرُ مَشْهُودًا لِلْقَلْبِ ، كَشُهُودِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيَّاتِ .
وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ، الَّتِي لَا يُعَذِّبُ أحَدًا وَلَا يُضِلُّهُ إِلَّا بَعْدَ
[ ص: 66 ] وُصُولِهِ إِلَيْهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ فَهَذَا الْإِضْلَالُ عُقُوبَةٌ مِنْهُ لَهُمْ ، حِينَ بَيَّنَ لَهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا بَيَّنَهُ لَهُمْ ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ ، فَعَاقَبَهُمْ بِأَنْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الْهُدَى ، وَمَا أَضَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَرَفْتَ سِرَّ الْقَدَرِ ، وَزَالَتْ عَنْكَ شُكُوكٌ كَثِيرَةٌ ، وَشُبَهَاتٌ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَعَلِمْتَ حِكْمَةَ اللَّهِ فِي إِضْلَالِهِ مَنْ يُضِلُّهُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْقُرْآنُ يُصَرِّحُ بِهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَالْأَوَّلُ : كُفْرُ عِنَادٍ ، وَالثَّانِي : كُفْرُ طَبْعٍ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ فَعَاقَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ حِينَ تَيَقَّنُوهُ وَتَحَقَّقُوهُ ، بِأَنْ قَلَّبَ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا لَهُ .
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ عَظِيمٌ .
وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَهَذَا هُدًى بَعْدَ الْبَيَانِ وَالدِّلَالَةِ ، وَهُوَ شَرْطٌ لَا مُوجِبٌ ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ هُدًى آخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ كَمَالُ الِاهْتِدَاءِ ، وَهُوَ هُدَى التَّوْفِيقِ وَالْإِلْهَامِ .
وَهَذَا الْبَيَانُ نَوْعَانِ : بَيَانٌ بِالْآيَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَتْلُوَّةِ ، وَبَيَانٌ بِالْآيَاتِ الْمَشْهُودَةِ الْمَرْئِيَّةِ ، وَكِلَاهُمَا أَدِلَّةٌ وَآيَاتٌ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَكَمَالِهِ ، وَصِدْقِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ ، وَلِهَذَا يَدْعُو عِبَادَهُ بِآيَاتِهِ الْمَتْلُوَّةِ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى التَّفْكِيرِ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ ، وَهَذَا الْبَيَانُ هُوَ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَجُعِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَالرُّسُلُ تُبَيِّنُ ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ .