[ ص: 107 ] فصل
قال : كما تربو للعامة عليها الأعمال . وهي برزخ بين وهاد التفرق ، وروابي الجمع . الاستقامة : روح تحيا به الأحوال ،
شبه الاستقامة للحال بمنزلة الروح للبدن . فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت ، فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد ، وكما أن حياة الأحوال بها ، فزيادة أعمال الزاهدين أيضا وربوها وزكاؤها بها . فلا زكاء للعمل ولا صحة للحال بدونها .
وأما كونها برزخا بين وهاد التفرق ، وروابي الجمع ، فالبرزخ هو الحاجز بين شيئين متغايرين . والوهاد : الأمكنة المنخفضة من الأرض . واستعارها للتفرق ؛ لأنها تحجب من يكون فيها عن مطالعة ما يراه من هو على الروابي ، كما أن صاحب التفرق محجوب عن مطالعة ما يراه صاحب الجمع ويشاهده .
وأيضا فإن حاله أنزل من حاله . فهو كصاحب الوهاد . وحال صاحب الجمع أعلى . فهو كصاحب الروابي . وشبه حال صاحب الجمع بحال من على الروابي لعلوه . ولأن الروابي تكشف لمن عليها القريب والبعيد ، وصاحب الجمع تكشف له الحقائق المحجوبة عن صاحب التفرقة .
إذا عرف هذا فمعنى كونها برزخا : أن السالك يكون في أول سلوكه في أودية التفرقة ، سائرا إلى روابي الجمع . فيستقيم في طريق سيره غاية الاستقامة . ليصل باستقامته إلى روابي الجمع . فاستقامته برزخ بين تلك التفرقة التي كان فيها . وبين الجمع الذي يؤمه ويقصده . وهذا بمنزلة تفرقة المقيم في البلد في أنواع التصرفات . فإذا عزم على السفر ، وخرج وفارق البلد . واستمر على السير : كان طريق سفره برزخا بين البلد الذي كان فيه ، والبلد الذي يقصده ويؤمه .