ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة . الفراسة
قال الله تعالى : إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال مجاهد رحمه الله : المتفرسين . وقال رضي الله عنهما : للناظرين . وقال ابن عباس قتادة : للمعتبرين . وقال مقاتل : للمتفكرين .
ولا تنافي بين هذه الأقوال ، فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم ، وما آل إليه أمرهم : أورثه فراسة وعبرة وفكرة . وقال تعالى في حق المنافقين : ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول . فالأول : فراسة النظر والعين . والثاني : فراسة الأذن والسمع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ، ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط . بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم . فقال : ولتعرفنهم في لحن القول وهو تعريض الخطاب ، وفحوى الكلام ومغزاه .
واللحن ضربان : صواب وخطأ . فلحن الصواب نوعان . أحدهما : الفطنة . ومنه [ ص: 453 ] الحديث . ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض
والثاني : التعريض والإشارة . وهو قريب من الكناية . ومنه قول الشاعر :
وحديث ألذه وهو مما يشتهي السامعون يوزن وزنا منطق صائب . وتلحن أحيا
نا وخير الحديث ما كان لحنا
والمقصود : أنه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم . فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه : أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه . فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السيماء المرئية . والفراسة تتعلق بالنوعين بالنظر والسماع . وفي الترمذي من حديث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي سعيد الخدري إن في ذلك لآيات للمتوسمين . اتقوا فراسة المؤمن . فإنه ينظر بنور الله . ثم تلا قوله تعالى :