الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) .

                                                                                                                                الذي يخص النساء فشرطان : أحدهما أن يكون معها زوجها أو محرم لها فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج .

                                                                                                                                وهذا عندنا ، وعند الشافعي هذا ليس بشرط ، ويلزمها الحج ، والخروج من غير زوج ، ولا محرم إذا كان معها نساء في الرفقة ثقات ، واحتج بظاهر قوله تعالى : { ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } .

                                                                                                                                وخطاب الناس يتناول الذكور ، والإناث بلا خلاف فإذا كان لها زاد ، وراحلة كانت مستطيعة ، وإذا كان معها نساء ثقات يؤمن الفساد عليها ، فيلزمها فرض الحج .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألا { لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم } ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا تسافر امرأة ثلاثة أيام إلا ومعها محرم أو زوج } ولأنها إذا لم يكن معها زوج ، ولا محرم لا يؤمن عليها إذ النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه ، ولهذا لا يجوز لها الخروج وحدها .

                                                                                                                                والخوف عند اجتماعهن أكثر ، ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية ، وإن كان معها امرأة أخرى ، والآية لا تتناول النساء حال عدم الزوج ، والمحرم معها ; لأن المرأة لا تقدر على الركوب ، والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يركبها ، وينزلها ، ولا يجوز ذلك لغير الزوج ، والمحرم فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النص فإن امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبران على الخروج ، ولو امتنع من الخروج لإرادة زاد ، وراحلة هل يلزمها ذلك ؟ ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أنه يلزمها ذلك ، ويجب عليها الحج بنفسها ، وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يلزمها ذلك ، ولا يجب الحج عليها وجه ما ذكره القدوري أن المحرم أو الزوج من ضرورات حجها بمنزلة الزاد ، والراحلة إذ لا يمكنها الحج بدونه كما لا يمكنها الحج بدون الزاد ، والراحلة ، ولا يمكن إلزام ذلك الزوج أو المحرم من مال نفسه فيلزمها ذلك له كما يلزمها الزاد ، والراحلة لنفسها ، وجه ما ذكره القاضي أن هذا من شرائط وجوب الحج عليها ، ولا يجب على الإنسان تحصيل شرط [ ص: 124 ] الوجوب بل إن وجد الشرط وجب ، وإلا فلا .

                                                                                                                                ألا ترى : أن الفقير لا يلزمه تحصيل الزاد ، والراحلة فيجب عليه الحج ، ولهذا قالوا في المرأة التي لا زوج لها ، ولا محرم : إنه لا يجب عليها أن تتزوج بمن يحج بها كذا هذا ، ولو كان معها محرم فلها أن تخرج مع المحرم في الحجة الفريضة من غير إذن زوجها عندنا .

                                                                                                                                وعند الشافعي ليس لها أن تخرج بغير إذن زوجها ، وجه قوله أن في الخروج تفويت حقه المستحق عليها وهو : الاستمتاع بها فلا تملك ذلك من غير رضاه .

                                                                                                                                ( ولنا ) : أنها إذا وجدت محرما فقد استطاعت إلى حج البيت سبيلا ; لأنها قدرت على الركوب ، والنزول وأمنت المخاوف ; لأن المحرم يصونها ، وأما قوله : " إن حق الزوج في الاستمتاع يفوت بالخروج إلى الحج " ، فنقول : منافعها مستثناة عن ملك الزوج في الفرائض كما في الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، ونحو ذلك حتى لو أرادت الخروج إلى حجة التطوع فللزوج أن يمنعها كما في صلاة التطوع ، وصوم التطوع ، وسواء كانت المرأة شابة أو عجوزا فإنها لا تخرج إلا بزوج أو محرم ; لأن ما روينا من الحديث لا يفصل بين الشابة ، والعجوز .

                                                                                                                                وكذا المعنى لا يوجب الفصل بينهما لما ذكرنا من حاجة المرأة إلى من يركبها ، وينزلها بل حاجة العجوز إلى ذلك أشد ; لأنها أعجز .

                                                                                                                                وكذا يخاف عليها من الرجال .

                                                                                                                                وكذا لا يؤمن عليها من أن يطلع عليها الرجال حال ركوبها ، ونزولها فتحتاج إلى الزوج أو إلى المحرم ليصونها عن ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية