الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن بثمن ولد زنا )

                                                                                                                            ش : يعني أن المعتبر في الاستطاعة هو إمكان الوصول على التفصيل المذكور وإن حصل ذلك الإمكان بثمن مملوك للمكلف وكان ذلك المملوك ولد زنا ; لأن ثمن ولد الزنا حلال لمالكه لا شبهة فيه ; لأنه عبده وإثم الزنا على أبويه ، وإنما نبه على هذا لئلا يتوهم أن كون الولد ناشئا عن الزنا مانع من الحج بثمنه ولأن كلام ابن رشد الآتي يقتضي أن المستحب عند مالك أن لا يحج به ، يعني ممن يملك غيره كما سيأتي التنبيه على ذلك ، وأصل هذه المسألة في الموازية وفي العتبية في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب الحج وفي كتاب الجامع أيضا ، ولفظ الرواية سئل مالك هل يحج بثمن ولد الزنا ؟ قال : أليس من أمته ولدته من زنا ؟ قال : نعم ، قال : لا بأس بذلك .

                                                                                                                            قال ابن رشد : مذهب مالك أنه يجوز أن يحج بثمن ولد الزنا وأنه يعتق في الرقاب الواجبة وإن كان الاستحباب عنده غير ذلك وروى أشهب عنه في سماعه من كتاب العتق أنه استحسن أن لا يعتق في الرقاب الواجبة وقال : قال الله سبحانه { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } وإنما منع ذلك من منعه ; لحديث أبي هريرة { ولد الزنا شر الثلاثة } وحديث { لا يدخل الجنة ولد زانية } وحديث { أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن عتقه قال : لا خير فيه نعلان يعان بهما أحب إلي من عتق ولد الزنا } وليست الأحاديث على ظاهرها فإن الأول إنما قاله في رجل بعينه كان يؤذيه وبذلك فسرته عائشة رضي الله عنها لما بلغها ما حدث به أبو هريرة وقالت : رحم الله أبا هريرة أساء سمعا فأساء إجابة .

                                                                                                                            وقد سئل ابن عمر عن ذلك فقال : بل هو خير الثلاثة قد أعتقه عمر ولو كان خبيثا ما فعل وهو كما قال ; لأنه لا يؤخذ بما اقترفه أبواه وقد قيل في معناه : إنه حدث عن شر الثلاثة أبواه والشيطان لا أنه في نفسه شر والأول أولى ; لأنه مروي عن عائشة وأما الحديث الثاني فالمعنى في ذلك من كثر منه الزنا حتى نسب إليه كما ينسب إلى الشيء من كثر منه حتى يقال للمتحققين بالدنيا : العاملين لها أبناء الدنيا ، ولمن أكثر من السفر : ابن السبيل ، وعلى هذا يحمل الحديث الثالث انتهى مختصرا .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) لفظ الرواية يقتضي أنه يجوز الحج بثمن ولد الزنا إلا أنه يجب وهذا إذا كان معه غيره وأما إذا لم يكن معه إلا ذلك وجب عليه أن يحج كما اقتضاه كلام المصنف [ ص: 501 ] وهو الظاهر وقال البساطي : لو ترك يعني المصنف خشونة هذا اللفظ في مثل الحج لكان أحسن ا هـ .

                                                                                                                            والظاهر أن ما قاله المؤلف هو الأحسن والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) قول ابن رشد وإن كان الاستحباب عنده غير ذلك يحتمل أن يكون راجعا إلى عتقه وإلى الحج بثمنه ولا مانع من ذلك ، ولكنه يحمل على من يملك غيره كما ذكرنا ولم أر من ذكر ذلك في الحج غيره ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى عتقه ; لأنه الذي يليه فتأمله .

                                                                                                                            ( الثالث ) قول ابن رشد أيضا وإنما منع ذلك من منعه يقتضي أن بعض العلماء منع من عتقه ، ونحوه للقاضي عبد الوهاب وليس هذا القول في المذهب بل ولا هو المعتمد من غيره قال ابن رشد في أواخر سماع أشهب من كتاب العتق : وأما ولد الزنا فعتقه جائز في الكفارة بإجماع من مالك وأصحابه ، وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة : هو قولنا وقول فقهاء الأمصار وحكى عن قوم منع ذلك انتهى .

                                                                                                                            ( الرابع ) حديث ولد الزنا شر الثلاثة رواه أبو داود وتأوله الخطابي بما ذكر ابن رشد عن عائشة رضي الله عنها وقال عبد الوهاب أن المراد به أن أبويه كل منهما ينسب إلى أبوين وهو لا ينسب إلى أب وقيل في تأويله : إنه شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه وقال السهيلي : والمراد أنه إذا أعلمته أمه أنه ولد زنا أو علم ذلك بقرينة حال وجب عليه أن يكف عن الميراث من نسب أبيه ولا يطلع على عوراتهم وإلا كان شر الثلاثة قال : وقد تأول الحديث على وجوه هذا أقربها إلى الصواب وفي آخر كتاب الزنا من النوادر عن ابن مسعود إنما قيل : شرهم في الدنيا ، ولو كان شرهم عند الله ما انتظر بأمه أن تضع وقال عمر أكرموا ولد الزنا وأحسنوا إليه . وقال أيضا أعتقوا أولاد الزنا وأحسنوا إليهم واستوصوا بهم وقال ابن عباس : وهو عبد من عبيد الله إن أحسن جوزي وإن أساء عوقب . وقال الشعبي : ولد الزنا خير الثلاثة إذا اتقى الله فقيل له : إنه قيل : إنه شر الثلاثة ، قال : هذا شيء قاله كعب لو كان شر الثلاثة لم ينتظر بأمه ولادته

                                                                                                                            . وحديث { لا يدخل الجنة ولد زنية } رواه النسائي وابن حبان وأبو نعيم في الحلية وأعله الدارقطني فإن مجاهدا لم يسمع من أبي هريرة وزعم ابن طاهر وابن الجوزي أنه موضوع ، قال الحافظ السخاوي وليس بجيد قال : وقال شيخنا يعني ابن حجر : قد فسره العلماء على تقدير صحته بأن معناه إذا عمل بعمل أبويه واتفقوا على أنه لا يحمل على ظاهره وقيل : المراد من يواظب عليه كما يقال للشهود بنو صحف ، وللشجعان بنو الحرب ولأولاد المسلمين بنو الإسلام ، والحديث الثالث رواه ابن ماجه في كتاب العتق من سننه من حديث ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ولد الزنا فقال : نعلان أجاهد فيهما خير من أن أعتق ولد الزنا } وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول : لأن أحمل على نعلين في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا وقوله في الحديث : ولد زنية هو بكسر الزاي وفتحها ، ويقال أيضا : ولد لغية فاللام الجر وفتح الغين المعجمة وكسرها وولد فعل ماض ، ويقال في ضده ولد شرة بكسر الراء وفتحها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية