فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين
159 - فبما رحمة من الله لنت لهم "ما" مزيدة للتوكيد، والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله، ومعنى الرحمة: ربطه على جأشه، وتوفيقه [ ص: 306 ] للرفق، والتلطف بهم، ولو كنت فظا جافيا غليظ القلب قاسيه لانفضوا من حولك لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم فاعف عنهم ما كان منهم يوم أحد مما يختص بك واستغفر لهم فيما يختص بحق الله، إتماما للشفقة عليهم، وشاورهم في الأمر أي: في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييبا لنفوسهم، وترويحا لقلوبهم، ورفعا لأقدارهم، ولتقتدي بك أمتك فيها، في الحديث: وعن "ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم". رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى شاورت فلانا: أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي، وشرت الدابة: استخرجت جريها، وشرت العسل: أخذته من مآخذه، وفيه دلالة أبي هريرة وبيان أن جواز الاجتهاد، القياس حجة فإذا عزمت فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى فتوكل على الله في إمضاء أمرك على الأرشد، لا على المشورة إن الله يحب المتوكلين عليه، والتوكل: الاعتماد على الله، والتفويض في الأمور إليه، وقال ذو النون: خلع الأرباب وقطع الأسباب.