أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم
وقف تعالى الكفار على أمر الزرع الذي هو قوام العيش، وبين لكل مفطور أن الحراث الذي يثير الأرض ويفرق الحب ليس يفعل في نبات الزرع شيئا، وقد يسمى الإنسان زارعا، ومنه قوله تعالى: "يعجب الزراع"، لكن معنى هذه الآية: أأنتم تزرعونه زرعا يتم أم نحن؟ وروى رضي الله عنه هذه الآية. أبو هريرة
[ ص: 206 ] و"الحطام": اليابس المتفتت من النبات الصائر إلى ذهاب، وبه شبه حطام الدنيا، وقيل: المعنى: تبتا لا قمح فيه، "تفكهون" قال ، ابن عباس ، ومجاهد : معناه: تعجبون، وقال وقتادة : تلاومون، وقال عكرمة معناه: تعجبون، وقال الحسن: : تتفجعون، وهذا كله تفسير لا يخص اللفظة، والذي يخص اللفظ، هو: تطرحون الفاكهة عن أنفسكم، وهي المسرة والجزل، ورجل فكه إذا كان منبسط النفس غير مكترث بالشيء، و"تفكه" من أخوات "تحرج" و"تحوب. وقرأ الجمهور: "فظلتم" بفتح الظاء، وروى ابن زيد في قراءة سفيان الثوري كسر الظاء، قال عبد الله : طرحت عليها حركة اللام المحزوفة، وذلك رديء في القياس، وهي قراءة أبو حاتم أبو حيوة، وروى أحمد بن موسى: "فظللتم" بلامين الأولى مفتوحة عن الجحدري، ورويت عن رضي الله عنه بكسر اللام الأولى. ابن مسعود
وقوله تعالى: إنا لمغرمون قبله حذف تقديره: "يقولون"، وقرأ ، الأعمش وعاصم الجحدري: "أئنا لمغرمون" بهمزتين على الاستفهام، والمعنى يحتمل أن يكون: إنا لمعذبون من الغرام، وهو أشد العذاب، ومنه قوله تعالى: إن عذابها كان غراما ، ومنه قول الأعشى:
إن يعذب يكن غراما وإن يعـ ـط جزيلا فإنه لا يبالي
ويحتمل أن يكون المعنى: إنا لمحملون الغرام، أي: غرمنا في النفقة وذهاب زرعنا، تقول: "غرم الرجل وأغرمته فهو مغرم"، وتقدم تفسير "المحروم" وأنه المحدود والمحارف.
و"المزن": السحاب بلا خلاف، ومنه قول الشاعر: [ ص: 207 ]
ونحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل
و"الأجاج" أشد المياه ملوحة، وهو ماء البحر الأخضر. و "تورون" معناه: تقتدحون من الأزند، تقول: أوريت النار من الزناد، وروى الزناد نفسه، والزناد قد يكون من حجرين ومن حجر وحديدة ومن شجر لا سيما في بلاد العرب، فإن أزندهم من شجر ولا سيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلخ وما أشبه، ولعادة العرب في أن زنادهم من شجر قال تعالى: أأنتم أنشأتم شجرتها ، وقال بعض أهل النظر: أراد بالشجرة نفس النار، كأنه تعالى يقول: نوعها أو جنسها، فاستعار الشجرة لذلك، وهو قول فيه تكلف. وقرأ الجمهور: "آنتم" بالمد، وروي عن ، أبي عمرو : "أنتم" بغير مد، وضعفها وعيسى . أبو حاتم
و"تذكرة" معناه: تذكر نار جهنم، قاله مجاهد ، و"المتاع" ما ينتفع به، و"المقوين" بأشياء ضعيفة، كقول وقتادة : الخائفون ونحوه، ولا يقوم منها إلا ما ذكرناه، ومن قال معناه: المسافرون فهو نحو ما قلناه، وهي عبارة ابن زيد رضي لله عنهما، تقول: "أصبح الرجل" دخل في الصباح، و"أصحر" دخل في الصحراء، و"أقوى" دخل في الأرض القواء، ومنه "أقوت الدار، أقوى الطلل" أي: صار قواء، ومنه قول ابن عباس : النابغة
. . . . . . . . . . . . . . . .. . . أقوت وطال عليها سالف الأبد
[ ص: 208 ] وقول الآخر:
. . .. . . . . . . . . . . . أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
والفقير والغني إذا أقويا، سواء في الحاجة إلى النار، ولا شيء يغني غناها في البرد، ومن قال: "إن أقوى من الأضداد من حيث يقال أقوى الرجل إذا قويت دابته" فقد أخطأ، وذلك فعل آخر كأترب إذا أثرى.
ثم أمر تبارك تعالى نبيه بتنزيه ربه عز وجل وتنزيه أسمائه العلى عما يقوله الكفرة الذين حجوا في هذه الآيات.