الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم

قوله تعالى: "وأطيعوا" عطف على قوله "فآمنوا" ، وقوله سبحانه: "فإن توليتم" إلى آخر الآية وعيد وتبرئة لمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بلغ، وفي قوله تعالى: وعلى الله فليتوكل المؤمنون تحريض للمؤمنين على مكافحة الكفار والصبر على دين الله تعالى.

وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم إلى آخر السورة، قرآن مدني، اختلف الناس في سببه، فقال عطاء بن أبي رباح : إنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي ، وذلك أنه أراد غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وشكوا إليه فراقه، فلم يغز، ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم، فنزلت الآية بسببه محذرة من الأزواج والأولاد وفتنتهم، ثم صرفه تعالى عن معاقبتهم بقوله سبحانه: وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا .

وقال بعض المفسرين سبب الآية أن قوما آمنوا بالله تعالى وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة فلم يهاجروا إلا بعد مدة، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين، [ ص: 323 ] فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم.

ثم أخبر تعالى أن الأموال والأولاد فتنة تشغل المرء عن مراشده، وتحمله من الرغبة في الدنيا على ما لا يحمده في آخرته، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد مبخلة مجبنة"، وخرج أبو داود حديثا في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة حتى جاء الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وعليهما قميصان أحمران يجرانهما، يعثران ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أخذهما وصعد بهما، ثم تلا هذه الآية وقال: إني رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في خطبته.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء، فأما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية إلى كل مهلكة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يقول أحدكم: اللهم اعصمني عن الفتنة، فإنه ليس يرجع أحد إلى أهل ومال إلا وهو مشتمل على الفتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن"، وقال عمر : لحذيفة رضي الله عنهما: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق، فقال عمر : ما هذا؟ قال: أحب ولدي وأكره الموت.

وقوله تعالى: والله عنده أجر عظيم تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية