الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون

[ ص: 408 ] قال قتادة ، والضحاك ، وقوم: "الحق المعلوم" هي الزكاة المفروضة. وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : هذه الآية في الحقوق التي سوى الزكاة، وهي ما ندبت الشريعة إليه من المواساة، وقد قال ابن عمر ، والثعلبي ، ومجاهد ، وكثير من أهل العلم: إن في المال حقا سوى الزكاة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا هو الأصح في هذه الآية; لأن السورة مكية وفرض الزكاة وبيانها إنما كان بالمدينة.

و"السائل" : المتكفف، "والمحروم": الذي قد ثبت فقره ولم تنجح سعايته لدنياه، قالت عائشة رضي الله عنها: هو الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وقال بعض أهل العلم: المحروم من احترق زرعه، وقال بعضهم: المحروم من ماتت ماشيته.

وهذه أنواع الحرمان، لا أن الاسم يستلزم هذا خاصة.

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: المحروم: الكلب، أراد، والله أعلم، أن يعطي مثالا من الحيوان ذي الكبد الرطبة لما فيه من الأجر حسب الحديث المأثور، وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم، وحكى عنه النقاش أنه قال وهو ابن سبعين سنة سألت عنه وأنا غلام فما وجدت شفاء.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يرحم الله الشعبي فإنه في هذه المسألة محروم، ولو أخذه اسم جنس فيمن عسرت مطالبه بأن له، وإنما كان يطلبه نوعا مخصوصا كالسائل.

و"يوم الدين" هو يوم القيامة، سمي بذلك لأنه يوم المجازاة، والدين: الجزاء، [ ص: 409 ] كما تقول العرب: "كما تدين تدان". ومنه قول الفند الزماني:


ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا



و"الإشفاق" الخوف من أمر يتوقع; لأن نيل عذاب الله للمؤمنين متوقع، والأكثر ناج بحمد الله تبارك وتعالى، لكن عذاب الله عز وجل لا يأمنه إلا من لا بصيرة له. و"الفروج" في هذه الآية هي الفروج المعروفة، والمعنى: "يحفظونها" من الزنى، وقال الحسن بن أبي الحسن: أراد فروج الثياب، وإلى معنى الوطء يعود، ثم استثنى تعالى الوطء الذي أباحه الشرع في الزوجات والمملوكات. وقوله تعالى: إلا على أزواجهم ، حسن دخول "على" في هذا الموضوع قوله تعالى: "غير ملومين"، فكأنه تعالى قال: إلا أنهم غير ملومين على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم.

وقوله تعالى: "ابتغى" معناه: طلب، وقوله سبحانه: "وراء ذلك" معناه: سوى ما ذكر، كأنه أمر قد حد فيه حد فمن طلب بغيته وراء الحد فهو كمستقبل حد في [ ص: 410 ] الأجرام وهو يتعدى وراءه أي: خلفه، و"العادون": الذين يتجاوزون حدود الأشياء التي لها حدود، كان ذلك في الأجرام أو في المعنى.

التالي السابق


الخدمات العلمية