قوله عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين
[ ص: 303 ] النداء بالجمعة هو في ناحية من المسجد، وكان على الجدار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : السائب بن يزيد وفي مصحف كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد على باب المسجد، كان بين يديه وهو على منبر أذان، وهو الذي استعمل أبي داود: بنو أمية، وبقي بقرطبة إلى الآن، ثم النداء على الزوراء ليسمع الناس، عثمان فقوم عبروا عن زيادة زاد بالثاني كأنهم لم يعتدوا الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقوم عبروا عنه بالثالث. وقرأ عثمان ابن الزبير : "الجمعة" بإسكان الميم، وهي لغة. والأعمش
والمأمور بالسعي هو المؤمن الصحيح البالغ الحر الذكر، فإن حضرها أحسن وأجزأته، واختلف الناس في ولا جمعة على مسافر في طاعة، فقال الحد الذي يلزم منه السعي، : ثلاثة أميال من منزل الساعي إلى المنادي، وقال فريق: من منزل الساعي إلى أول مالك المدينة التي فيها النداء، وقال أصحاب الرأي: يلزم أهل المدينة كلها السعي من سمع النداء ومن لم يسمع وإن كانت أقطارها فوق ثلاثة أميال، وقال : ولا يلزم من منزله خارج أبو حنيفة المدينة كزرارة من الكوفة، وإنما بينهما مجرى نهر، ولا تجوز لهم إقامتها لأن من شروطها الجامع والسلطان القاهر والسوق القائمة، وقال بعض أهل العلم: السعي من خمسة أميال، وقال : من ستة أميال، وقال أيضا: من أربعة أميال، وقاله الزهري ابن المنكدر ، وقال ، ابن عمر ، وابن المسيب : إنما يلزم السعي من سمع النداء، وفي هذا نظر. وابن حنبل
والسعي في الآية ليس الإسراع في المشي كالسعي بين الصفا والمروة، وإنما هو بمعنى قوله: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي سعي كله إلى ذكر الله تعالى، قال الحسن، ، وقتادة ، وغيرهم: إنما [ ص: 304 ] تؤتى الصلاة بالسكينة، فالسعي هو بالنية والإرادة والعمل، و"الذكر" هو وعظ الخطبة، قاله ومالك ، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ابن المسيب "إن الملائكة على أبواب المسجد يوم الجمعة، يكتبون الأول فالأول، إذا خرج الإمام طويت الصحف وجلست الملائكة يستمعون الذكر"، عند جمهور العلماء شرط في انعقاد الجمعة، وقال والخطبة وهي مستحبة، وقرأ الحسن: ، عمر بن الخطاب وعلي، ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وجماعة من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين: "فامضوا إلى ذكر الله" ، وقال وابن الزبير : لو قرأت: "فاسعوا" لأسرعت حتى يقع ردائي. ابن مسعود
واختلف الناس في: ما الحكم فيه؟ بعد إجماعهم على وجوب امتناعه بدءا، فقال البيع في الوقت المنهي عنه إذا وقع: : يمضي، وقال مرة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات مضى. وقال الشافعي : يفسخ ما لم يفت، فإن فات أصلح بالقيمة، واختلف في وقت التقويم، فقيل: وقت القبض، وقيل: وقت الحكم. مالك
وقوله تعالى: "ذلكم" إشارة إلى السعي وترك البيع، وقوله سبحانه: "فانتشروا" أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة، وكذلك قوله تعالى: وابتغوا من فضل الله أنه للإباحة في طلب المعاش، وأن ذلك مثل قوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا ، إلا ما روي عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنس "ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة" .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة، ويكون تخيره صبح يوم [ ص: 305 ] السبت، قاله جعفر بن محمد الصادق ، وقال : الفضل المبتغى العلم، فينبغي أن يطلب إثر الجمعة. مكحول
قوله تعالى: وإذا رأوا تجارة أو لهوا ، فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة، وصاحب أمرها الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة، دحية بن خليفة الكلبي ، قال : وكان من عرفهم أن تدخل العير مجاهد المدينة بالطبل والمعازف والصياح من ورائها، فدخلت العير بمثل ذلك، فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر، ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا، قال رضي الله عنه: أنا أحدهم. جابر بن عبد الله
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكره، إلا إني سمعت أبي رحمه الله تعالى يقول: هم العشرة المشهود لهم بالجنة، واختلف في الحادي عشر، فقيل: رضي الله عنه، وقيل: عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما في كتاب ابن عباس : بقي معه ثمانية نفر، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثعلبي "لولا هؤلاء لقد كانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء" ، وفي حديث آخر محمد بيده، ولو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال عليكم الوادي نارا"، وقال "والذي نفس : بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات; لأن قدوم العير كان يوافق يوم الجمعة، بسبب أن المراحل كانت تعطي ذلك، وقال تعالى: "إليها" ولم يقل: "إليهما" [ ص: 306 ] تقديما للأهم، إذ كانت هي سبب اللهو ولم يكن اللهو سببها، وفي مصحف قتادة رضي الله عنه: "ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين" . ابن مسعود
وتأمل إن قدمت التجارة مع الرؤية لأنها أهم، وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولا على الأبين.
وفي هذه الآية وأول من استراح في الخطبة قيام الخطيب، رضي الله عنه:، وأول من خطب جالسا عثمان رضي الله عنه. و"الرازق" صفة فعل، وقد يتصف بها بعض البشر تجوزا إذا كان سبب رزق الحيوان، والله تعالى خير الرازقين. معاوية
كمل تفسير سورة الجمعة والحمد لله رب العالمين .