قوله عز وجل:
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون
"يتلاومون" معناه: يجعل كل واحد اللوم في حيز صاحبه ويبرئ نفسه، ثم أجمعوا على أنهم طغوا، أي تعدوا ما يلزم من مواساة المساكين ثم انصرفوا إلى رجاء الله تعالى وانتظار الفرج من لدنه في أن يبدلهم بسبب توبتهم خيرا من تلك الجنة.
وقرأ جمهور القراء "يبدلنا" بسكون الباء وتخفيف الدال، وكذلك قرأ [ ص: 376 ] الحسن، وابن محيصن، ، وقرأ والأعمش ، نافع بالتثقيل وفتح الباء. وأبو عمرو
وقوله تعالى: "كذلك العذاب" ابتداء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر قريش، والإشارة بـ "ذلك" إلى العذاب الذي نزل بالجنة أي: كذلك العذاب هو العذاب الذي ينزل بقريش بغتة، ثم عذاب الآخرة أشد عليهم من عذاب الدنيا، وقال كثير من المفسرين: العذاب النازل بقريش المماثل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود.
ثم أخبر تعالى: أن المتقين لهم عند ربهم جنات النعيم، فروي أنه لما نزلت هذه الآية قالت قريش: إن كانت ثم جنات نعيم فلنا فيها أكبر الحظ، فنزلت: أفنجعل المسلمين كالمجرمين ، وهذا على جهة التوقيف والتوبيخ وقوله تعالى: ما لكم توبيخ آخر، ابتداء وخبر، جملة منحازة، وقوله تعالى: كيف تحكمون جملة منحازة كذلك، و"كيف" في موضع نصب بـ "تحكمون".
وقوله تعالى: "أم" هي المقدرة بـ "بل وألف الاستفهام"، و"كتاب" معناه: منزل من عند الله، وقوله تعالى: إن لكم فيه لما تخيرون ، قال بعض المتأولين: هو استئناف قول على معنى: إن كان لكم كتاب فلكم فيه متخير، وقال آخرون: "إن" معمولة لـ "تدرسون"، أي: في الكتاب: إن لكم ما تختارون من النعيم، وكسرت الألف من "إن" لدخول اللام في الخبر، وهي في معنى: "أن" بفتح الألف، وقرأ ، طلحة : "أن لكم" بفتح الألف، وقرأ والضحاك : "أئن لكم" على الاستفهام. الأعرج