لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر تنبيه على أنه كان ينبغي أن يستدل باستئذانهم على حالهم، ولا يؤذن لهم، أي: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأن الخلص منهم يبادرون إليه من غير توقف على الإذن فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف، وحيث استأذنك هؤلاء في التخلف كان ذلك مئنة للتأني في أمرهم، بل دليلا على نفاقهم، وقيل: المستأذن فيه محذوف، ومعنى قوله تعالى: أن يجاهدوا كراهة أن يجاهدوا، ثم [ ص: 70 ] قيل: المحذوف هو التخلف، والمعنى: لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد، فيتوجه النفي إلى القيد، وبه يمتاز المؤمن من المنافق، وهو وإن كان في نفسه أمرا خفيا - لا يوقف عليه بادئ الأمر - لكن عامة أحوالهم لما كانت منبئة عن ذلك جعل أمرا ظاهرا مقررا، وقيل: هو الجهاد، أي: لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد كراهة أن يجاهدوا، بناء على أن الاستئذان في الجهاد ربما يكون لكراهته، ولا يخفى أن الاستئذان في الشيء لكراهته مما لا يقع، بل لا يعقل، ولو سلم وقوعه فالاستئذان لعلة الكراهة مما لا يمتاز بحسب الظاهر من الاستئذان لعلة الرغبة، ولو سلم فالذي نفي عن المؤمنين يجب أن يثبت للمنافقين، وظاهر أنهم لم يستأذنوا في الجهاد لكراهتهم له، بل إنما استأذنوا في التخلف.
والله عليم بالمتقين شهادة لهم بالانتظام في سلك المتقين، وعدة لهم بأجزل الثواب، وتقرير لمضمون ما سبق، كأنه قيل: والله عليم بأنهم كذلك، وإشعار بأن ما صدر عنهم معلل بالتقوى.