بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون
بل قالوا أضغاث أحلام إضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية قول آخر مضطرب في مسالك البطلان ، أي : لم يقتصروا على أن يقولوا في حقه عليه السلام هل هذا إلا بشر ، وفي حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم إنه سحر ، بل قالوا تخاليط الأحلام ، ثم أضربوا عنه فقالوا : بل افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل أو شبه أصل ، ثم قالوا : بل هو شاعر وما أتى به شعر يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها . وهكذا شأن المبطل المحجوج متحير لا يزال يتردد بين باطل وأبطل ويتذبذب بين فاسد وأفسد ، فالإضراب الأول كما ترى من جهته تعالى ، والثاني والثالث من قبلهم ، وقد قيل : الكل من قبلهم حيث أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ، ثم إلى أنه كلام مفترى ، ثم إلى أنه قول شاعر ، ولا ريب في أنه كان ينبغي حينئذ بأن قال : قالوا بل أضغاث أحلام والاعتذار بأن ، بل قالوا مقول لقالوا المضمر قبل قوله تعالى : "هل هذا إلا بشر ..." الخ . كأنه قيل : وأسرو النجوى قالوا : هل هذا إلى قوله : بل أضغاث أحلام ، وإنما صرح بقالوا بعد بل لبعد العهد مما يجب تنـزيه ساحة التنزيل عن أمثاله .
فليأتنا بآية جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق ، كأنه قيل : وإن لم يكن كما قلنا ، بل كان رسولا من الله تعالى فليأتنا بآية كما أرسل الأولون أي : مثل الآية التي أرسل بها الأولون كاليد والعصا ونظائرهما حتى نؤمن به . فـ "ما" موصولة ، ومحل الكاف الجر على أنها صفة لآية ويجوز أن تكون مصدرية ، فالكاف منصوبة على أنها مصدر تشبيهي ، أي نعت لمصدر محذوف ، أي : فليأتنا بآية إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين بها ، وصحة التشبيه من حيث إن الإتيان بالآية من فروع الإرسال بها ، أي : مثل إتيان مترتب على الإرسال ، ويجوز أن يحمل النظم الكريم على أنه أريد كل واحد من الإتيان والإرسال في كل واحد من طرفي التشبيه ، لكنه ترك في جانب المشبه ذكر الإرسال وفي جانب المشبه به ذكر الإتيان اكتفاء بما ذكر في كل موطن عما ترك في الموطن الآخر حسبما مر في آخر سورة يونس عليه السلام .