الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم خطاب لكفار مكة وتصريح بمآل أمرهم مع كونه معلوما مما سبق على وجه الإجمال مبالغة في الإنذار وإزاحة الاعتذار. وما تعبدون" عبارة عن أصنامهم لأنها التي يعبدونها كما يفصح عنه كلمة "ما" . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين [ ص: 86 ] تلا الآية قال له ابن الزبعرى : خصمتك ورب الكعبة ، أليست اليهود عبدوا عزيرا والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة ؟ رد عليه بقوله صلى الله عليه وسلم ما أجهلك بلغة قومك أما فهمت أن "ما" لما لا يعقل . ولا يعارضه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم رده بقوله : بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ، ولا ما روى أن ابن الزبعرى قال : هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل لكل من عبد من دون الله تعالى . إذ ليس شيء منهما نصا في عموم كلمة "ما" كما أن الأول نص في خصوصها وشمول حكم النص لا يقتضي شموله بطريق العبارة ، بل يكفي في ذلك شموله لهم بطريق دلالة النص بجامع الشركة في المعبودية من دون الله تعالى ، فلعله صلى الله عليه وسلم بعدما بين مدلول النظم الكريم بما ذكر ، وعدم دخول المذكورين في حكمه بطريق العبارة بين عدم دخولهم فيه بطريق الدلالة أيضا تأكيدا للرد والإلزام وتكريرا للتبكيت والإفحام ، لكن لا باعتبار كونهم معبودين لهم كما هو زعمهم ، فإن إخراج بعض المعبودين عن حكم منبئ عن الغضب على العبدة والمعبودين مما يوهم الرخصة في عبادته في الجملة ، بل بتحقيق الحق وبيان أنهم ليسوا من العبودية في شيء حتى يتوهم دخولهم في الحكم المذكور دلالة بموجب شركتهم للأصنام في المعبودية من دون الله تعالى ، وإنما معبودهم الشياطين التي أمرتهم بعبادتهم كما نطق به قوله تعالى : سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن ... الآية . فهم الداخلون في الحكم المذكور لاشتراكهم مع الأصنام في المعبودية من دونه تعالى دون المذكورين عليهم السلام ، وهذا هو الوجه في التوفيق بين الأخبار المذكورة . وأما تعميم كلمة "ما" للعقلاء أيضا وجعل ما سيأتي من قوله تعالى :" إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ..." إلخ بيانا للتجوز أو التخصيص فمما لا يساعده السباق والسياق كما يشهد به الذوق السليم . والحصب : ما يرمى به ويهيج به النار من حصبه إذا رماه بالحصباء . وقرئ بسكون الصاد وصفا له بالمصدر للمبالغة .

                                                                                                                                                                                                                                      أنتم لها واردون استئناف أو بدل من "حصب جهنم" ، واللام معوضة من على للدلالة على الاختصاص ، وأن وردهم لأجلها والخطاب لهم ولما يعبدون تغليبا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية