الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو باع رجل من رجل أرضا فغرسها ثم فلس الغريم فأبى رب الأرض أن يأخذ الأرض بقيمة الغراس وأبى الغريم أن يقلعوا الغراس ويسلموا الأرض إلى ربها لم يكن لرب الأرض بالخيار إن شاء أن يأخذ أرضه ويبقي الثمر فيها إلى الجداد إن أراد الغريم والغرماء أن يبقوه فيها إلى الجداد فذلك له ، وليس للغريم منعه ، وإن أراد أن يدعها ويضرب مع الغرماء بما كان له فعل ، وكذلك لو باعه أرضا بيضاء فزرعها ثم فلس كان مثل الحائط يبيعه ثم يثمر النخل فإن أراد رب الأرض أو رب النخل أن يقبلها ويبقي فيها الزرع إلى الحصاد والثمار إلى الجداد ثم عطبت النخل قبل ذلك بأي وجه ما عطبت بفعل الآدميين أو بأمر من السماء أو جاء سيل فخرق الأرض وأبطلها فضمان ذلك من ربها الذي قبلها لا من المفلس ; لأنه عندما قبلها صار مالكا لها إن أراد أن يبيع باع ، وإن أراد أن يهب وهب .

فإن قيل ومن أين يجوز أن يملك المرء شيئا لا يتم له جميع ملكه فيه ; لأن هذا لم يملكه الذي جعلت له أخذه ملكا تاما ; لأنه محول بينه وبين جمار النخل والجريد وكل ما أضر بثمر المفلس ومحول بينه وبين أن يحدث في الأرض بئرا أو شيئا مما يضر ذلك بزرع المفلس ؟ قيل له بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم { من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع } فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملك المبتاع النخل ويملك البائع الثمر إلى الجداد . قال : ولو سلم رب الأرض الأرض للمفلس فقال الغرماء احصد الزرع وبعه بقلا ، وأعطنا ثمنه . وقال المفلس : لست أفعل وأنا أدعه إلى أن يحصد ; لأن ذلك أنمى لي والزرع لا يحتاج إلى الماء ، ولا المؤنة كان القول قول الغرماء في أن يباع لهم .

ولو كان يحتاج إلى السقي والعلاج فتطوع رجل للغريم بالإنفاق عليه فأخرج نفقة ذلك وأسلمها إلى من يلي الإنفاق عليه وزاد حتى ظن أن ذلك إن سلم لم يكن للغريم إبقاء الزرع إلى الحصاد ، وكان للغرماء بيعه ، وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل ; لأنه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك قال : ولو كانت السلعة عبدا فأخذ نصف ثمنه ثم أفلس الغريم كان له نصف العبد شريكا به للغريم ويباع النصف الذي كان للغريم لغرمائه دونه على المثال الذي ذكرت ، ولا يرد مما أخذ شيئا ; لأنه مستوف لما أخذه ، ولو زعمت أنه يرد شيئا مما أخذ جعلت له لو أخذ الثمن كله أن يرده ويأخذ سلعته ومن قال هذا فهذا خلاف السنة ، والقياس عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية