مسألة [ ] النيابة في العبادات البدنية
مذهب رضي الله عنه الأصل امتناع النيابة في العبادات البدنية إلا ما خرج بدليل ، فقال في " الأم " في باب الإطعام في الكفارة : ولو أن الشافعي لم يجزه الصوم عنه ، وذلك أنه لا يعمل أحد [ ص: 168 ] عن أحد عمل الأبدان ، لأن الأبدان تعبدت بعمل ، فلا يجزئ عنها أن يعمل عنها غيرها ليس الحج والعمرة بالخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأن فيهما نفقة ، وأن الله فرضهما على من وجد إليهما السبيل ، والسبيل بالمال . ا هـ . رجلا صام عن رجل بأمره
وأغفل الأصحاب هذا ولم يحفظوا فيه نصا وهذا في الجواز الشرعي . للشافعي
وأما العقلي : فقال ابن برهان : مذهب أصحابنا جريان النيابة في التكاليف والعبادات البدنية عقلا ، ومنعه المعتزلة وساعدهم الحنفية .
والمسألة مبنية على حرف ، وهو أن الثواب معلول الطاعة ، والعقاب معلول المعصية عندهم ، وعندنا : الثواب فضل من الله والعقاب عدل من الله ، وإنما الطاعة أمارة عليه ، وكذلك المعصية .
وذكر الآمدي نحوه وحرره الصفي الهندي ، فقال : اتفقوا على جواز ، وعلى وقوعه أيضا لاتفاقهم على أنه يجوز للغير دخول النيابة في المأمور به إذا كان ماليا ، وكيف لا ، وصرف زكاة الأموال الظاهرة إلى الإمام إما واجب أو مندوب ؟ ومعلوم أنه لم يصرفها إلى الفقراء إلا بطريق النيابة . صرف زكاة ماله بنفسه ، وأن يوكل فيه
واختلفوا في جواز دخولها فيه إذا كان بدنيا ، فذهب أصحابنا إلى الجواز والوقوع معا محتجين بأنه غير ممتنع لنفسه ، إذ لا يمتنع قول السيد لعبده : أمرتك بخياطة هذا الثوب ، فإن خطته بنفسك أو استنبت فيه أثبتك ، وإن [ ص: 169 ] تركت الأمرين عاقبتك ، واحتجوا بالنيابة في الحج ، وفيه نظر ، فإنها لا تدل على جواز النيابة في المأمور به إذا كان بدنيا محضا ، بل إنما يدل على ما هو بدني ومالي معا كالحج ، ولعل الخصم يجوز ذلك ، فلا يكون دليلا عليه كذا قال الهندي لكن الخلاف موجود فيه عند الحنفية .
فقالت طائفة منهم : إن الحج يقع عن المباشر ، وللآمر ثواب الإنفاق ، لأن النيابة لا تجزئ في العبادات البدنية إلا أن في الحج شائبة مالية من جهة الاحتياج إلى الزاد والراحلة . فمن جهة المباشرة تقع عن المأمور ، ومن جهة الإنفاق تقع عن الآمر . لكن المرجح عندهم أنه يقع عن الآمر عملا بظواهر الأحاديث .
واحتج المانع بأن القصد من إيجاب العبادة البدنية امتحان المكلف ، والنيابة تخل بذلك . وأجيب بأنه يخل به مطلقا فإن في النيابة امتحانا أيضا .
وزادها بعض المتأخرين تحقيقا ، فقال : الأفعال المستندة إلى الفاعلين لا تخلو إما أن تكون شرعية أو لغوية ، فإن كانت شرعية فلا تخلو إما أن تكون عبادة أو غيرها ، وغير العبادة لا تخلو إما أن ينظر فيها إلى جهة الفاعلية أو إلى جهة الفعل فقط من غير نظر إلى الفاعل . فمن الأول { } فأناط الشارع ذلك بالفاعل ، فالعبرة فيه به ، فتكون عهدة الفعل متعلقة به ولو وكيلا . البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
ومن الثاني : { } فقصد الشارع تحصيل الفعل ، واجتمعا في قوله تعالى : { من باع عبدا وله مال فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى [ ص: 170 ] تنكح زوجا غيره } فالتطليق المراد به تحصيل الفعل سواء كان بنفسه أو بنيابة أو بغيره كما تقرر في الفقه وهذا من الثاني . وحتى تنكح : المراد به الإسناد الحقيقي المتعلق بالفاعل .
وأما العبادات : فلا تخلو إما أن تكون وسيلة أو تقصد ، فإن كانت وسيلة فلا تخلو إما أن تكون وسيلة تبعد عن العبادة جدا أو تقرب منها جدا ، فإن كانت تبعد جدا ، كتحصيل التراب والماء في الوضوء والتيمم ، والصب عليه فالإجماع على جواز دخول النيابة فيها ، وإن كانت تقرب منها جدا ، فإما أن يعتبر فيها القصد أو لا يعتبر . فإن لم يعتبر ، فالإجماع على جواز الدخول . كتوضئة الغير له أو تغسيله
وأما القصد فلا يخلو إما أن يكون بدنيا محضا أو مترددا بينهما . فإن كان الأول امتنعت النيابة ، كالصلاة والصوم إلا في صورة واحدة ، وهي ، وكذا ركعتا الطواف تبعا للحج على أصح القولين . وإن كان ماليا محضا كالزكاة دخلت النيابة في تفريقه ، لأنه يشبه الوسيلة ، إذ المال هو المقصود ، وإن كان مترددا بينهما كالحج جاز عند اليأس والموت على ما تقرر في الفقه . الصوم عن الميت
وأما اللغويات : فإن حقيقتها عند الإطلاق مصروفة إلى ما استند إليه الفعل حيث لم يبق ما يعم المجاز ، ولا تعتبر العادة على المشهور ، لأنها لا تصلح رافعة للحقيقة لتأدية ذلك إلى النسخ ، ويمكن أن تجعل مخصصة على طريقة ، والقدر المشترك لا يصح ، لأنه إنما يكون إذا كان معنا حقيقتان دار الأمر بين أن يجعلهما مشتركين اشتراكا لفظيا ، أو يأخذ بينهما قدرا مشتركا ، فهنا يقال : القدر المشترك أولى ، وأما في حقيقة ومجاز فلا .