والمؤمنون اتبعوا الحق من ربهم، فهم أحق الناس بالتحقيق، وإذا كان المؤمنون هم المحققين، ومن نعتهم أنهم إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، كان الموصوفون بنقيض ذلك ليسوا من المحققين عند الله وعند رسوله، بل من المحققين عند إخوانهم،، كما أن اليهود والنصارى والمشركين، وكل طائفة من المحققين عند من وافقهم على أن ما يقولونه بحق.
وقد وصف المؤمنين بما ذكره في قوله تعالى: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون [سورة التوبة: 124-125] .
ومن المعلوم أن من ناقض الآيات المنزلة باعتقاده وهواه لم تزده إيمانا، ولم يستبشر بنزولها، بل تزيده رجسا إلى رجسه.
وقال تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [سورة الحجرات: 15] فالصادق في قوله: "آمنوا" هو الذي لم [ ص: 338 ] يحصل له ريب فيما جاء به الرسول، ولكن غايته أن يعلم أن الرسول صادق فيما أخبر به على طريق الجملة، فإذا نظر فيما أخبر به لم يعلم ثبوت شيء مما أخبر به. ومن جوز أن يكون فيما أخبر به ما يعارضه صريح المعقول لم يزل في ريب من ثبوت ما أخبر به،
ومن المعلوم أن العلم بأنه صادق، مقصوده تصديق أخباره، والمقصود بتصديق الأخبار التصديق بمضمونها، فإذا كان لم يصدق بمضمون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، كان بمنزلة من آمن بالوسيلة، ولم يحصل له المقصود.
ولو قال الحاكم: إن هؤلاء الشهود صادقون في كل ما يشهدون به، وهو لا يثبت بشهادة أحد منهم حقا، لم يكن في تعديلهم فائدة، ومن تدبر هذا الباب علم حقيقته، والله أعلم.