وهذا كالألفاظ المتقدمة مثل لفظ: القدم، والحدوث، والجوهر، والجسم، والعرض، والمركب، والمؤلف، والمتحيز، والبعض، والتوحيد،
[ ص: 224 ] والواحد.
فهم يريدون بلفظ التوحيد والواحد في اصطلاحهم: ما لا صفة له ولا يعلم منه شيء دون شيء ولا يرى، والتوحيد الذي جاء به الرسول لم يتضمن شيئا من هذا النفي، وإنما تضمن
nindex.php?page=treesubj&link=28666_29618إثبات الإلهية لله وحده، بأن يشهد أن لا إله إلا هو، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالى إلا له، ولا يعادى إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله، وذلك يتضمن
nindex.php?page=treesubj&link=29443إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله في حديثه الصحيح في سياق حجة الوداع: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد:
nindex.php?page=hadith&LINKID=100965«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، وكانوا في الجاهلية يقولون:
nindex.php?page=hadith&LINKID=659040لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فأهل النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد كما تقدم.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [البقرة: 163] .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون [النحل: 51] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه [المؤمنون: 117] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ ص: 225 ] [الزخرف: 45] ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة [النحل: 36] .
وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده [الممتحنة: 4] ، وقال تعالى عن المشركين:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ص: 5]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [الإسراء: 46]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [الزمر: 45] ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون [الصافات: 35-36] وهذا في القرآن كثير.
وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد.
ويظن هؤلاء أنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد.
وكثير من أهل الكلام يقول: التوحيد له ثلاث معان، وهو: واحد في ذاته لا قسيم له، أو لا جزء له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله
[ ص: 226 ] لا شريك له.
وهذا المعنى الذي تتناوله هذه العبارة فيها ما يوافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها ما يخالف ما جاء به الرسول، وليس الحق الذي فيها هو الغاية التي جاء بها الرسول، بل التوحيد الذي أمر به أمر يتضمن الحق الذي في هذا الكلام وزيادة أخرى، فهذا من الكلام الذي لبس فيه الحق بالباطل وكتم الحق.
وذلك أن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شيء ـ لم يكن موحدا، بل ولا مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له.
وَهَذَا كَالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثْلُ لَفْظِ: الْقِدَمُ، وَالْحُدُوثِ، وَالْجَوْهَرِ، وَالْجِسْمِ، وَالْعَرَضِ، وَالْمُرَكَّبِ، وَالْمُؤَلَّفِ، وَالْمُتَحَيِّزِ، وَالْبَعْضِ، وَالتَّوْحِيدِ،
[ ص: 224 ] وَالْوَاحِدِ.
فَهُمْ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ التَّوْحِيدِ وَالْوَاحِدِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ: مَا لَا صِفَةَ لَهُ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وَلَا يُرَى، وَالتَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ يَتَضَمَّنْ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّفْيِ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28666_29618إِثْبَاتَ الْإِلَهِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، بِأَنْ يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا يُعْبَدُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُوَالَى إِلَّا لَهُ، وَلَا يُعَادَى إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُعْمَلُ إِلَّا لِأَجْلِهِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=29443إِثْبَاتَ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ الصَّحِيحِ فِي سِيَاقِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=100965«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ»، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=659040لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. فَأَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهٌ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الْبَقَرَةِ: 163] .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النَّحْلِ: 51] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الْمُؤْمِنُونَ: 117] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مَنْ قَبْلِكَ مَنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مَنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ ص: 225 ] [الزُّخْرُفِ: 45] ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النَّحْلِ: 36] .
وَأَخْبَرَ عَنْ كُلِّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الْمُمْتَحِنَةِ: 4] ، وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=46وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا [الْإِسْرَاءِ: 46]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزُّمَرِ: 45] ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصَّافَّاتِ: 35-36] وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوْحِيدِ مُجَرَّدَ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ خَلَقَ الْعَالَمَ، كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالتَّصَوُّفِ، وَيَظُنُّ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ أَثْبَتُوا غَايَةَ التَّوْحِيدِ.
وَيَظُنُّ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ إِذَا شَهِدُوا هَذَا وَفَنُوا فِيهِ فَقَدْ فَنُوا فِي غَايَةِ التَّوْحِيدِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُ: التَّوْحِيدُ لَهُ ثَلَاثُ مَعَانٍ، وَهُوَ: وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا قَسِيمَ لَهُ، أَوْ لَا جُزْءَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ
[ ص: 226 ] لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَتَنَاوَلُهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِيهَا مَا يُوَافِقُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا مَا يُخَالِفُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَيْسَ الْحَقُّ الَّذِي فِيهَا هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ، بَلِ التَّوْحِيدُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُ الْحَقَّ الَّذِي فِي هَذَا الْكَلَامِ وَزِيَادَةً أُخْرَى، فَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لُبِسَ فِيهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَكُتِمَ الْحَقُّ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ أَقَرَّ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ، وَنَزَّهَهُ عَنْ كُلِّ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ـ لَمْ يَكُنْ مُوَحِّدًا، بَلْ وَلَا مُؤْمِنًا حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الْإِلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، وَيَلْتَزِمُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.