وقد كنت قديما ذكرت في بعض كلامي أني
nindex.php?page=treesubj&link=28713تدبرت عامة ما يحتج به النفاة من النصوص، فوجدتها على نقيض قولهم أدل منها على قولهم، كاحتجاجهم على نفي الرؤية بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار [الأنعام: 103] فبينت أن الإدراك هو الإحاطة لا الرؤية، وأن هذه الآية تدل على إثبات الرؤية أعظم من دلالتها على نفيها.
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28744احتجاجهم على أن القرآن أو عبارة القرآن مخلوقة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه [الأنبياء: 2] بينت أن دلالة هذه الآية على نقيض قولهم أقوى، فإنها تدل على أن بعض الذكر محدث وبعضه ليس بمحدث، وهو ضد قولهم.
والحدوث في لغة العرب العامة ليس هو الحدوث في اصطلاح أهل الكلام، فإن العرب يسمون ما تجدد حادثا، وما تقدم على غيره قديما، وإن كان بعد أن لم يكن، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39كالعرجون القديم [يس: 39] ، وقوله تعالى عن إخوة
يوسف: nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=95تالله إنك لفي ضلالك القديم [يوسف: 95]، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم [الأحقاف: 11]
[ ص: 375 ] وقوله تعالى عن
إبراهيم: nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون [الشعراء: 75-76] .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29639استدلالهم بقوله: «الأحد الصمد» على نفي علوه على الخلق وأمثال ذلك مما قد بسط في غير هذا الموضع.
ثم تبين لي بعد ذلك مع هذا أن المعقولات في هذا كالسمعيات، وأن عامة ما يحتج به النفاة من المعقولات هي أيضا على نقيض قولهم أدل منها على قولهم، كما يستدلون به على نفي الصفات ونفي الأفعال، وكما يستدل به
الفلاسفة على قدم العالم، ونحو ذلك، والمقصود هنا التنبيه، وإلا فالبسط له موضع آخر.
وَقَدْ كُنْتُ قَدِيمًا ذَكَرْتُ فِي بَعْضِ كَلَامِي أَنِّي
nindex.php?page=treesubj&link=28713تَدَبَّرْتُ عَامَّةَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النُّفَاةُ مِنَ النُّصُوصِ، فَوَجَدْتُهَا عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ أَدَلَّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِمْ، كَاحْتِجَاجِهِمْ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارُ [الْأَنْعَامِ: 103] فَبَيَّنْتُ أَنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ لَا الرُّؤْيَةُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ أَعْظَمُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى نَفْيِهَا.
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28744احْتِجَاجُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أَوْ عِبَارَةُ الْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ [الْأَنْبِيَاءِ: 2] بَيَّنْتُ أَنَّ دَلَالَةَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ أَقْوَى، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الذَّكَرِ مُحْدَثٌ وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، وَهُوَ ضِدُّ قَوْلِهِمْ.
وَالْحُدُوثُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الْعَامَّةِ لَيْسَ هُوَ الْحُدُوثَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ يُسَمَّوْنَ مَا تُجَدِّدُ حَادِثًا، وَمَا تُقَدِّمُ عَلَى غَيْرِهِ قَدِيمًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس: 39] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إِخْوَةِ
يُوسُفَ: nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=95تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ [يُوسُفَ: 95]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الْأَحْقَافِ: 11]
[ ص: 375 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ
إِبْرَاهِيمَ: nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ [الشُّعَرَاءِ: 75-76] .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29639اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ: «الْأَحَدُ الصَّمَدُ» عَلَى نَفْيِ عُلُوِّهِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا أَنَّ الْمَعْقُولَاتِ فِي هَذَا كَالسَّمْعِيَّاتِ، وَأَنَّ عَامَّةَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النُّفَاةُ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ هِيَ أَيْضًا عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ أَدُلُّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِمْ، كَمَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ وَنَفْيِ الْأَفْعَالِ، وَكَمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ
الْفَلَاسِفَةُ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ، وَإِلَّا فَالْبَسْطُ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.