فبين سبحانه هذا كله بمثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=99أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا [الإسراء: 99]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم [يس: 81] ، قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير [الأحقاف: 33] ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس [غافر: 57] فإنه من المعلوم ببداهة العقول أن
nindex.php?page=treesubj&link=31756_30340خلق السماوات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم، والقدرة عليه أبلغ، وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك.
وكذلك استدلاله على ذلك بالنشأة الأولى في مثل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 27]، ولهذا قال بعد ذلك
[ ص: 33 ] nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى في السماوات والأرض [الروم: 27] ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم [الحج: 5] .
وكذلك ما ذكر في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الآيات [يس: 78 - 82] فإن قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78من يحيي العظام وهي رميم قياس حذفت إحدى مقدمتيه لظهورها، والأخرى سالبة كلية قرن معها دليلها، وهو المثل المضروب الذي ذكره بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ، وهذا استفهام إنكار متضمن للنفي، أي: لا أحد يحيي العظام وهي رميم، فإن كونها رميما يمنع عنده إحياءها لمصيرها إلى حال اليبس والبرودة المنافية للحياة التي مبناها على الحرارة والرطوبة، ولتفرق أجزائها واختلاطها بغيرها، ولنحو ذلك من الشبهات.
والتقدير: هذه العظام رميم، ولا أحد يحيي العظام وهي رميم، فلا أحد يحييها.
ولكن هذه السالبة كاذبة، ومضمونها امتناع الإحياء، فبين سبحانه إمكانه من وجوه ببيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79يحييها الذي أنشأها أول مرة ، وقد أنشأها من التراب، ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79وهو بكل خلق عليم [يس: 79] ليبين علمه بما تفرق من الأجزاء أو استحال، ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا [يس: 80] فبين أنه أخرج النار الحارة
[ ص: 34 ] اليابسة من البارد الرطب، وذلك أبلغ في المنافاة، لأن اجتماع الحرارة والرطوبة أيسر من اجتماع الحرارة واليبوسة، إذ الرطوبة تقبل من الانفعال ما لا تقبله اليبوسة، ولهذا كان تسخين الهواء والماء أيسر من تسخين التراب، وإن كانت النار نفسها حارة يابسة، فإنها جسم بسيط، واليبس ضد الرطوبة، والرطوبة يعنى بها البلة كرطوبة الماء، ويعنى بها سرعة الانفعال، فيدخل في ذلك الهواء، فكذلك يعنى باليبس عدم البلة، فتكون النار يابسة، ويراد باليبس بطء الشكل والانفعال، فيكون التراب يابسا دون النار، فالتراب فيه اليبس بالمعنيين، بخلاف النار، لكن الحيوان الذي فيه حرارة ورطوبة يكون من العناصر الثلاثة: التراب، والماء، والهواء.
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ هَذَا كُلَّهُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=99أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنَّ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا [الْإِسْرَاءِ: 99]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ [يس: 81] ، قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنَّ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الْأَحْقَافِ: 33] ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غَافِرٍ: 57] فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِبَدَاهَةِ الْعُقُولِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31756_30340خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ أَمْثَالِ بَنِي آدَمَ، وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ أَبْلَغُ، وَأَنَّ هَذَا الْأَيْسَرَ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّشْأَةِ الْأُولَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرُّومِ: 27]، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ
[ ص: 33 ] nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الرُّومِ: 27] ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنَ تُرَابٍ ثُمَّ مِنَ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنَ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنَ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الْحَجِّ: 5] .
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَاتِ [يس: 78 - 82] فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قِيَاسٌ حُذِفَتْ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ لِظُهُورِهَا، وَالْأُخْرَى سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ قُرِنَ مَعَهَا دَلِيلُهَا، وَهُوَ الْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ، أَيْ: لَا أَحَدَ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، فَإِنَّ كَوْنَهَا رَمِيمًا يَمْنَعُ عِنْدَهُ إِحْيَاءَهَا لِمَصِيرِهَا إِلَى حَالِ الْيَبْسِ وَالْبُرُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْحَيَاةِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ، وَلِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا، وَلِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشُّبُهَاتِ.
وَالتَّقْدِيرُ: هَذِهِ الْعِظَامُ رَمِيمٌ، وَلَا أَحَدَ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، فَلَا أَحَدَ يُحْيِيهَا.
وَلَكِنَّ هَذِهِ السَّالِبَةَ كَاذِبَةٌ، وَمَضْمُونُهَا امْتِنَاعُ الْإِحْيَاءِ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ إِمْكَانَهُ مِنْ وُجُوهٍ بِبَيَانِ إِمْكَانِ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَقَدْ أَنْشَأَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 79] لِيُبَيِّنَ عِلْمَهُ بِمَا تَفَرَّقَ مِنَ الْأَجْزَاءِ أَوِ اسْتَحَالَ، ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا [يس: 80] فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَ النَّارَ الْحَارَّةَ
[ ص: 34 ] الْيَابِسَةَ مِنَ الْبَارِدِ الرَّطْبِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمُنَافَاةِ، لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ أَيْسَرُ مِنَ اجْتِمَاعِ الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ، إِذِ الرُّطُوبَةُ تَقْبَلُ مِنَ الِانْفِعَالِ مَا لَا تَقْبَلُهُ الْيُبُوسَةُ، وَلِهَذَا كَانَ تَسْخِينُ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ أَيْسَرَ مِنْ تَسْخِينِ التُّرَابِ، وَإِنْ كَانَتِ النَّارُ نَفْسُهَا حَارَّةً يَابِسَةً، فَإِنَّهَا جِسْمٌ بَسِيطٌ، وَالْيُبْسُ ضِدُّ الرُّطُوبَةِ، وَالرُّطُوبَةُ يُعْنَى بِهَا الْبَلَّةُ كَرُطُوبَةِ الْمَاءِ، وَيُعْنَى بِهَا سُرْعَةُ الِانْفِعَالِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْهَوَاءِ، فَكَذَلِكَ يُعْنَى بِالْيُبْسِ عَدَمُ الْبَلَّةِ، فَتَكُونُ النَّارُ يَابِسَةً، وَيُرَادُ بِالْيُبْسِ بُطْءُ الشَّكْلِ وَالِانْفِعَالِ، فَيَكُونُ التُّرَابُ يَابِسًا دُونَ النَّارِ، فَالتُّرَابُ فِيهِ الْيُبْسُ بِالْمَعْنَيَيْنِ، بِخِلَافِ النَّارِ، لَكِنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي فِيهِ حَرَارَةٌ وَرُطُوبَةٌ يَكُونُ مِنَ الْعَنَاصِرِ الثَّلَاثَةِ: التُّرَابِ، وَالْمَاءِ، وَالْهَوَاءِ.