وقوله : "إنه أبطل هذا في
nindex.php?page=treesubj&link=34084إبطال القول بالتجسيم"، فهم يقولون : ليس فيما ذكرته في نفي التجسيم حجة على نفي قولهم .
وذلك أنه قال : "والمعتمد في نفي التجسيم أن يقال: لو كان
[ ص: 138 ] الباري جسما: فإما أن يكون كالأجسام، وإما أن لا يكون كالأجسام، فإن قيل : إنه لا كالأجسام كان النزاع في اللفظ دون المعنى ، والطريق في الرد ما أسلفناه في كونه جوهرا . وإن قيل : إنه كالأجسام فهو ممتنع لثمانية أوجه : منها أربعة ، وهي ما ذكرناها في استحالة كونه جوهرا، وهي الأول والثالث والرابع والخامس، ويختص الجسم بأربعة أخرى" .
قلت : والذي ذكره في إبطال كونه جوهرا هو أن المعتمد [هو] أنا نقول: لو كان الباري جوهرا لم يخل: إما أن يكون جوهرا كالجواهر أو لا كالجواهر . والأول باطل لخمسة أوجه. وإن قيل : إنه جوهر لا كالجواهر، فهو تسليم للمطلوب . فإنا إنما ننكر كونه جوهرا كالجواهر، وإذا عاد الأمر إلى الإطلاق اللفظي فالنزاع لفظي ، ولا مشاحة فيه إلا من جهة ورود التعبد من الشارع به ، ولا يخفى أن ذلك مما لا سبيل إلى إثباته .
[ ص: 139 ]
قال : "وعلى هذا فمن قال: إنه جوهر ، بمعنى أنه موجود لا في موضوع ، والموضوع هو المحل المقوم ذاته المقوم لما يحل فيه ، كما قاله الفلاسفة ، أو أنه جوهر بمعنى أنه قائم بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره ، كما قاله
[أبو الحسين البصري] ، مع اعترافه أنه لا يثبت له أحكام الجواهر ، فقد وافق في المعنى وأخطأ في الإطلاق ، من حيث إنه لم ينقل عن العرب إطلاق الجوهر بإزاء القائم بنفسه ، لا ورد فيه إذن من الشرع" .
فيقال : إذا كان قول القائل : إنه جوهر لا كالجواهر وجسم لا كالأجسام موافقا لقولك في المعنى ، وإنما النزاع بينك وبينهم في اللفظ قامت حجته عليك لفظا ومعنى . أما اللفظ فمن وجهين : أحدهما أنه كما أن الشارع لم يأذن في إثبات هذه الألفاظ له فلم يأذن في نفيها عنه ، وأنت لم تسمه سخيا لعدم إذن الشرع ، فليس لك أن تقول ليس بسخي لعدم إذن الشرع في هذا النفي ، بل إذا لم يطلق إلا ما أذن فيه الشرع ، لا يطلق لا هذا ولا هذا .
[ ص: 140 ]
ثم أنت تسميه قديما ، وواجب الوجود ، وذاتا ، ونحو ذلك مما لم يرد به الشرع ، والشارع يفرق بين ما يدعى به من الأسماء ، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى ، وبين ما يخبر بمضمونه عنه من الأسماء لإثبات معنى يستحقه ، نفاه عنه ناف لما يستحقه من الصفات ، كما أنه من نازعك في قدمه أو وجوب وجوده قلت مخبرا عنه بما يستحقه: إنه قديم وواجب الوجود ، فإن كان النزاع مع من يقول هو [جوهر] و"جسم" في اللفظ، فعذرهم في الإطلاق أن النافي ما يستحقه الرب من الصفات في ضمن نفي هذا الاسم ، فأثبتنا له ما يستحقه من الصفات بإثبات مسمى هذا الاسم ، كما فعلت أنت وغيرك في اسم "قديم" و"ذات" و"واجب الوجود" ونحو ذلك.
الثاني: أنك احتججت على نفي ذاك بأن العرب لم ينقل عنها إطلاق الجوهر بإزاء القائم بنفسه.
فيقال لك : ولم ينقل عنها إطلاقه بإزاء كل متحيز حامل للأعراض ولا نقل عنها إطلاق لفظ "ذات" بإزاء نفسه. وإنما لفظ "الذات" عندهم تأنيث "ذو"، فلا تستعمل إلا مضافة ، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [سورة الأنفال 1] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إنه عليم بذات الصدور [سورة الأنفال 43]. وقول النبي
[ ص: 141 ] صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503002لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله .
وقول
خبيب :
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وأمثال ذلك، أي في جهة الله، أي لله تعالى .
ولهذا أنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12986ابن برهان وغيره على المتكلمين إطلاق لفظ "ذات الله" .
وإذا كان كذلك فأنت أطلقت لفظ "الذات" على ما لم تطلقه العرب بغير إذن من الشرع . ولو قال لك قائل : إن الله ليس بذات ، نازعته . فهكذا يقول منازعك في اسم "الجوهر" و"الجسم" إذا كان موافقا لك على معناهما .
وأيضا فإن لفظ "الجوهر" و"الجسم" قد صار في اصطلاحكم جميعا أعم مما استعملت فيه العرب، فإن العرب لا تسمي كل متحيز
[ ص: 142 ] جوهرا، ولا تسمي كل مشار إليه جسما، فلا تسمي الهواء جسما .
وفي اصطلاحكم سميتم هذا جسما ، كما سميتم في اصطلاحكم باسم الذات كل موصوف ، أو كل قائم بنفسه، أو كل شيء، فلستم متوقفين في الاستعمال لا على حد اللغة العربية، ولا على إذن الشارع : لا في النفي ولا في الإثبات .
فإن لم يكن لك حجة على منازعك إلا هذا ، كان خاصما لك ، وكان حكمه فيما تنازعتما فيه ، كحكمكما فيما اتفقتما عليه ، أو فيما انفردت به دونه من هذا الباب .
وأيضا فحكايتك عن الفلاسفة أنهم يسمونه جوهرا ، والجوهر عندهم الموجود لا في موضوع، إنما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا ومن تبعه .
وأما
أرسطو وأتباعه وغيرهم من الفلاسفة فيسمونه جوهرا ، فالوجود كله ينقسم عندهم إلى جوهر وعرض ، والمبدأ الأول داخل عندهم في مقوله "الجوهر" .
والأظهر أن النصارى إنما أخذوا تسميته جوهرا عن الفلاسفة فإنهم ركبوا قولا من دين المسيح ودين المشركين الصابئين .
وَقَوْلُهُ : "إِنَّهُ أَبْطَلَ هَذَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34084إِبْطَالِ الْقَوْلِ بِالتَّجْسِيمِ"، فَهُمْ يَقُولُونَ : لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتَهُ فِي نَفْيِ التَّجْسِيمِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْيِ قَوْلِهِمْ .
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : "وَالْمُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ التَّجْسِيمِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ
[ ص: 138 ] الْبَارِي جِسْمًا: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَالْأَجْسَامِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَالْأَجْسَامِ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَا كَالْأَجْسَامِ كَانَ النِّزَاعُ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى ، وَالطَّرِيقُ فِي الرَّدِّ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي كَوْنِهِ جَوْهَرًا . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِثَمَانِيَةٍ أَوْجُهٍ : مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهَا فِي اسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ جَوْهَرًا، وَهِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، وَيَخْتَصُّ الْجِسْمُ بِأَرْبَعَةٍ أُخْرَى" .
قُلْتُ : وَالَّذِي ذَكَرَهُ فِي إِبْطَالِ كَوْنِهِ جَوْهَرًا هُوَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ [هُوَ] أَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ الْبَارِي جَوْهَرًا لَمْ يَخْلُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا كَالْجَوَاهِرِ أَوْ لَا كَالْجَوَاهِرِ . وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ. وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ جَوْهَرٌ لَا كَالْجَوَاهِرِ، فَهُوَ تَسْلِيمٌ لِلْمَطْلُوبِ . فَإِنَّا إِنَّمَا نُنْكِرُ كَوْنَهُ جَوْهَرًا كَالْجَوَاهِرِ، وَإِذَا عَادَ الْأَمْرُ إِلَى الْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ فَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ مِنَ الشَّارِعِ بِهِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِهِ .
[ ص: 139 ]
قَالَ : "وَعَلَى هَذَا فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ جَوْهَرٌ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ لَا فِي مَوْضُوعٍ ، وَالْمَوْضُوعُ هُوَ الْمَحَلُّ الْمُقَوِّمُ ذَاتَهُ الْمُقَوِّمُ لِمَا يَحِلُّ فِيهِ ، كَمَا قَالَهُ الْفَلَاسِفَةُ ، أَوْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ ، كَمَا قَالَهُ
[أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ] ، مَعَ اعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْجَوَاهِرِ ، فَقَدْ وَافَقَ فِي الْمَعْنَى وَأَخْطَأَ فِي الْإِطْلَاقِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ الْعَرَبِ إِطْلَاقُ الْجَوْهَرِ بِإِزَاءِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ ، لَا وَرَدَ فِيهِ إِذْنٌ مِنَ الشَّرْعِ" .
فَيُقَالُ : إِذَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ : إِنَّهُ جَوْهَرٌ لَا كَالْجَوَاهِرِ وَجِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ مُوَافِقًا لِقَوْلِكَ فِي الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فِي اللَّفْظِ قَامَتْ حُجَّتُهُ عَلَيْكَ لَفْظًا وَمَعْنًى . أَمَّا اللَّفْظُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ فِي نَفْيِهَا عَنْهُ ، وَأَنْتَ لَمْ تُسَمِّهِ سَخِيًّا لِعَدَمِ إِذْنِ الشَّرْعِ ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ لَيْسَ بِسَخِيٍّ لِعَدَمِ إِذْنِ الشَّرْعِ فِي هَذَا النَّفْيِ ، بَلْ إِذَا لَمْ يُطْلَقُ إِلَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّرْعُ ، لَا يُطْلَقُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا .
[ ص: 140 ]
ثُمَّ أَنْتَ تُسَمِّيهِ قَدِيمًا ، وَوَاجِبَ الْوُجُودِ ، وَذَاتًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ ، وَالشَّارِعُ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يُدْعَى بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ ، فَلَا يُدْعَى إِلَّا بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، وَبَيْنَ مَا يُخْبَرُ بِمَضْمُونِهِ عَنْهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ لِإِثْبَاتِ مَعْنًى يَسْتَحِقُّهُ ، نَفَاهُ عَنْهُ نَافٍ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الصِّفَاتِ ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ نَازَعَكَ فِي قِدَمِهِ أَوْ وُجُوبِ وَجُودِهِ قُلْتَ مُخْبِرًا عَنْهُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ: إِنَّهُ قَدِيمٌ وَوَاجِبُ الْوُجُودِ ، فَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ مَعَ مَنْ يَقُولُ هُوَ [جَوْهَرٌ] وَ"جِسْمٌ" فِي اللَّفْظِ، فَعُذْرُهُمْ فِي الْإِطْلَاقِ أَنَّ النَّافِيَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ مِنَ الصِّفَاتِ فِي ضِمْنِ نَفْيِ هَذَا الِاسْمِ ، فَأَثْبَتْنَا لَهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الصِّفَاتِ بِإِثْبَاتِ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ ، كَمَا فَعَلْتَ أَنْتَ وَغَيْرُكَ فِي اسْمِ "قَدِيمٍ" وَ"ذَاتٍ" وَ"وَاجِبِ الْوُجُودِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّكَ احْتَجَجْتَ عَلَى نَفْيِ ذَاكَ بِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهَا إِطْلَاقُ الْجَوْهَرِ بِإِزَاءِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ.
فَيُقَالُ لَكَ : وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهَا إِطْلَاقُهُ بِإِزَاءِ كُلِّ مُتَحَيِّزٍ حَامِلٍ لِلْأَعْرَاضِ وَلَا نُقِلَ عَنْهَا إِطْلَاقُ لَفْظِ "ذَاتٍ" بِإِزَاءِ نَفْسِهِ. وَإِنَّمَا لَفْظُ "الذَّاتِ" عِنْدَهُمْ تَأْنِيثُ "ذُو"، فَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافَةً ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [سُورَةُ الْأَنْفَالِ 1] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سُورَةُ الْأَنْفَالِ 43]. وَقَوْلِ النَّبِيِّ
[ ص: 141 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503002لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ .
وَقَوْلِ
خُبَيْبٍ :
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، أَيْ فِي جِهَةِ اللَّهِ، أَيْ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَلِهَذَا أَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12986ابْنُ بُرْهَانٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ إِطْلَاقَ لَفْظِ "ذَاتِ اللَّهِ" .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَنْتَ أَطْلَقْتَ لَفْظَ "الذَّاتِ" عَلَى مَا لَمْ تُطْلِقْهُ الْعَرَبُ بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الشَّرْعِ . وَلَوْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ : إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِذَاتٍ ، نَازَعْتَهُ . فَهَكَذَا يَقُولُ مُنَازِعُكَ فِي اسْمِ "الْجَوْهَرِ" وَ"الْجِسْمِ" إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لَكَ عَلَى مَعْنَاهُمَا .
وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَ "الْجَوْهَرِ" وَ"الْجِسْمِ" قَدْ صَارَ فِي اصْطِلَاحِكُمْ جَمِيعًا أَعَمَّ مِمَّا اسْتَعْمَلَتْ فِيهِ الْعَرَبُ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تُسَمِّي كُلَّ مُتَحَيِّزٍ
[ ص: 142 ] جَوْهَرًا، وَلَا تُسَمِّي كُلَّ مُشَارٍ إِلَيْهِ جِسْمًا، فَلَا تُسَمِّي الْهَوَاءَ جِسْمًا .
وَفِي اصْطِلَاحِكُمْ سَمَّيْتُمْ هَذَا جِسْمًا ، كَمَا سَمَّيْتُمْ فِي اصْطِلَاحِكُمْ بِاسْمِ الذَّاتِ كُلَّ مَوْصُوفٍ ، أَوْ كُلَّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ، أَوْ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَسْتُمْ مُتَوَقِّفِينَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا عَلَى حَدِّ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا عَلَى إِذْنِ الشَّارِعِ : لَا فِي النَّفْيِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ حُجَّةٌ عَلَى مُنَازِعِكَ إِلَّا هَذَا ، كَانَ خَاصِمًا لَكَ ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِيمَا تَنَازَعْتُمَا فِيهِ ، كَحُكْمِكُمَا فِيمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَيْهِ ، أَوْ فِيمَا انْفَرَدْتَ بِهِ دُونَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَأَيْضًا فَحِكَايَتُكَ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا ، وَالْجَوْهَرُ عِنْدَهُمُ الْمَوْجُودُ لَا فِي مَوْضُوعٍ، إِنَّمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنُ سِينَا وَمَنْ تَبِعَهُ .
وَأَمَّا
أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ فَيُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا ، فَالْوُجُودُ كُلُّهُ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ إِلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ ، وَالْمَبْدَأُ الْأَوَّلُ دَاخِلٌ عِنْدَهُمْ فِي مَقُولِهِ "الْجَوْهَرِ" .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّصَارَى إِنَّمَا أَخَذُوا تَسْمِيَتَهُ جَوْهَرًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّهُمْ رَكَّبُوا قَوْلًا مِنْ دِينِ الْمَسِيحِ وَدِينِ الْمُشْرِكِينَ الصَّابِئِينَ .