[ ص: 164 ] وأما الطريقة النبوية السنية السلفية المحمدية الشرعية فإنما يناظرهم بها من كان خبيرا بها وبأقوالهم التي تناقضها، فيعلم حينئذ فساد أقوالهم بالمعقول الصريح المطابق للمنقول الصحيح.
وهكذا كل من أمعن في معرفة هذه الكلاميات والفلسفيات التي تعارض بها النصوص من غير معرفة تامة بالنصوص ولوازمها وكمال المعرفة بما فيها وبالأقوال التي تنافيها، فإنه لا يصل إلى يقين يطمئن إليه، وإنما تفيده الشك والحيرة.
بل حتى مسألة وجود الرب تعالى وحقيقته حاروا فيها حيرة أوجبت أن يتناقض هذا، كتناقض هؤلاء الفضلاء الحذاق الذين يدعون أن النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه تجدهم حيارى في أصول مسائل الإلهيات، الرازي، وأن يتوقف هذا، كتوقف ويذكرون عدة أقوال يزعمون أن الحق ينحصر فيها، وهي كلها باطلة. الآمدي،
وقد ومعلوم أن هذا إنما قالوه فيما سلكوه هم من الأدلة. [ ص: 165 ] حكي عن طائفة من رؤوس أهل الكلام أنهم كانوا يقولون بتكافؤ الأدلة، وأن الأدلة قد تكافأت من الجانبين، حتى لا يعرف الحق من الباطل،
وقد حكي لي أن بعض الأذكياء ـ وكان قد قرأ على شخص هو إمام بلده ومن أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة، وهو ابن واصل الحموي ـ أنه قال: أضطجع على فراشي، وأضع الملحفة على وجهي، وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي شيء، ولهذا انتهي أمره إلى كثرة النظر في الهيئة، لكونه تبين له فيه من العلم ما لم يتبين له في العلوم الإلهية.
ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء لما لم يتبين له الهدى في طريقه نكص على عقبيه، فاشتغل باتباع شهوات الغي في بطنه وفرجه أو رياسته وماله ونحو ذلك، لعدم العلم واليقين الذي يطمئن إليه قلبه، وينشرح له صدره.
وفي الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهؤلاء المعرضون عن [ ص: 166 ] الطريقة النبوية السلفية يجتمع فيهم هذا وهذا: اتباع شهوات الغي، ومضلات الفتن، فيكون فيهم من الضلال والغي بقدر ما خرجوا عن الطريق الذي بعث الله به رسوله. «إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الفتن»
ولهذا أمرنا الله أن نقول في كل صلاة: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».
وكان السلف يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون فكيف إذا اجتمع في الرجل الضلال والفجور؟!
ولو جمعت ما بلغني في هذا الباب عن أعيان هؤلاء، كفلان وفلان لكان شيئا كثيرا، وما لم يبلغني من حيرتهم وشكهم أكثر وأكثر.
وذلك لأن الهدى هو فيما بعث الله به رسله، فمن أعرض عنه لم يكن مهتديا، فكيف بمن عارضه بما يناقضه وقدم مناقضه عليه؟
قال الله تعالى لما أهبط آدم: قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [طه: 123-126] . [ ص: 167 ]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية.
وقوله تعالى: ومن أعرض عن ذكري يتناول الذكر الذي أنزله، وهو الهدى الذي جاءت به الرسل، كما قال تعالى في آخر الكلام: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي: تركت اتباعها والعمل بما فيها، فمن طلب الهدى بغير القرآن ضل، ومن اعتز بغير الله ذل، وقد قال تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [الأعراف: 3] ، وقال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله [الأنعام: 153] .
وفي حديث رضي الله عنه الذي رواه علي ورواه الترمذي، أبو نعيم من عدة طرق: عن عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: علي، ، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. «إنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع منه العلماء، من قال به [ ص: 168 ] صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم»